“تنمية الصادرات قضية حياة أو موت”
جملة أعتدت على استخدامها في افتتاحية أوراقي البحثية المعنية بالصادرات، سواء العلمية منها أو العملية.
فالصادرات مورد هام للنقد الأجنبي إذا ما نظرنا إليها من الجانب المادي، أما من الجانب الإنتاجي الفعلي فهي تعبر عن جودة منتجاتك ومنافستك الفعلية للمنتجات العالمية في الأسواق الخارجية، وبالتالي تعكس مدى تمتع سلعك بعنصر التنافسية، أي السعر المنخفض المنافس والجودة العالية، وهو الأمر الذي يؤهل تلك السلع إلى مزاحمة منتجات الدول الأخرى في الأسواق العالمية، ليفرض المنتج المحلي الصنع سيطرته عالمياً، إذا ما تمتع بتك المميزات؛ السعر المنافس والجودة العالية.
فالمنافسة في مجال تنمية الصادرات بين دول العالم، منافسة شرسة، لتتبارى مختلف الدول في محاولة الوصول إلى قيم صادرات مرتفعة، وتحقيق معدلات نمو كبيرة، فنجد أن المارد الصيني يتربع على عرش الصادرات العالمية بقيمة 2200 مليار دولار عام 2017، نعم الرقم سليم لمن يعيد قراءته.
يليها الولايات المتحدة الامريكية في المركز الثاني عالمياً بقيمة 1500 مليار دولار خلال نفس العام، ثم تأتي ألمانيا لتسجل قيمة 1400 مليار دولار لتستحوذ على المركز الثالث عالمياً، وفي المركز الرابع اليابان بقيمة 700 مليار دولار، والمركز الخامس عالمياً كوريا بقيمة صادرات تصل إلى حوالي 575 مليار دولار، والعجيب في الأمر أن معدلات نمو صادرات تلك الدول تتراوح ما بين 8 إلى 16% خلال عام 2017 مقارنةً بالعام السابق 2016، وهو الأمر الذي يعكس الروح القتالية للدول المسيطرة على الصادرات العالمية.
فلم يكتفوا بكونهم قد بلغوا القمة، لا ده كمان بيجودوا ليحتفظوا بمكانتهم على تلك القمة!
وإذا ما نظرنا إلى مؤشر آخر وهو نصيب المواطن من قيمة تلك الصادرات، فسنجد التالي، سيصل نصيب المواطن في الصين إلى حوالي 1500 دولار، ويصل نصيب الفرد في الولايات المتحدة إلى حوالي 4500 دولار، أما ألمانيا فيتجاوز نصيب المواطن قيمة الـ17 ألف دولار، في حين يصل نصيب الفرد في اليابان إلى 5500 دولار، ويتجاوز نصيب الفرد من قيمة الصادرات في كوريا حاجز الـ11 ألف دولار.
تلك الأرقام إن عكست شيء فإنها ستعكس مدى الرفاهية التي يمكن أن توفرها الصادرات لمواطني تلك الدول، فكلما ارتفع العائد المادي من قيمة الصادرات، فحتماً سينعكس الأمر على مستويات دخول قاطني تلك الدول.
لذا تقاتل الدول الكبرى لتحقيق المزيد من معدلات النمو في قيم صادراتها الصناعية، صادراتها ذات القيمة المضافة المرتفعة، والتي تسمح لمواطنيها بتحقيق مستويات دخول مرتفعة، تلك الدول تقاتل لتصل إلى أهدافها، وأعني كلمة تقاتل لفظاً ومضموناً.
وإذا ما نظرنا على المستوى المحلي، فسنجد أن صادراتنا السلعية البترولية وغير البترولية بلغت نحو 26 مليار دولار وفقاً للمصادر الدولية عام 2017، لنحتل المرتبة رقم 66 عالمياً، وليصل نصيب المواطن من قيمة تلك الصادرات إلى حوالي 260 دولار فقط!
وسأكتفي بتحليل الأرقام عند هذا الحد، ولن أتطرق إلى أرقام الدول التي سبقتنا.
أعترف أن هناك جهودا كبيرة تبذل بهدف الارتقاء بالإنتاج المحلي، وهناك مشروعات أكبر يتم افتتاحها بصفة يومية، ومساعي لا يمكن إنكارها تستهدف عودة الاستثمارات الصناعية، والدفع بعجلة الإنتاج، ومن ثم تنمية صادراتنا، بهدف تحسين مستويات الدخول للمواطنين.
لكن علينا أن نعترف أنه كي نصل إلى تلك الأهداف التنموية، يجب أن يتحلى القائمين على التنمية بتلك الروح القتالية، خاصةً تنمية الصادرات، فأرى أن الأمر قد يحتاج فريق عمل من نوعٍ خاص، فريق على دراية كافية بالمتطلبات الدولية والتوجهات العالمية، دون إغفال لاحتياجاتنا المحلية وقدراتنا الفعلية، فريق لديه المقدرة على التغلب على مختلف الصعاب، فريق لديه المقدرة على التعامل مع كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة سواء المحلية منها أو الدولية، فريق يتمتع بالخبرة العلمية والعملية، فريق يتسم بالإصرار وهي الصفة الأهم، ففي رأيي الشخصي أرى أنه ليس كل أصحاب الخبرات الذين يتم الاستعانة بهم يتمتعون بتلك الروح.
باختصار، أرى أن تنمية صادراتنا تستلزم فريق من طراز خاص، تنمية صادراتنا تستلزم فريق من المقاتلين يتحلون بأرواح رجالة “منسي”، ليكون شعارهم إما التنمية أو الشهادة، ليطبقوا عن حق مقولة “تنمية الصادرات قضية حياة أو موت”.
د/ شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادي
[email protected]