بقلم: ستيفن روتش
الرئيس السابق لفرع بنك مورجان ستانلي في آسيا
دائما ما يتسبب تكرار الأمر في جعله حقيقة سواء كان كذبا أم لا.
وهذا ما ينطبق على المزاعم التي وجهتها الولايات المتحدة إلى الصين في حربها الباردة الاقتصادية الناشئة ضدها.
فوفقا للتوجيهات السياسية اﻷمريكية، أصبح من المسلم به الآن أن الصين تجبر الشركات الأمريكية على نقل التكنولوجيات بالغة اﻷهمية لعقد أعمال تجارية في البر الرئيسي، وتنخرط في القرصنة المتفشية وسرقة الملكية الفكرية وتدعيم صناعاتها ذات التقنيات العالية بشكل كبير وغير عادل، وهو ما يساهم في مخاوف تشكيل الصين تهديدًا وجوديا لازدهار الولايات المتحدة.
ومثل العديد من المراقبين منذ فترة طويلة في الصين، تمت استضافتي كثيرًا في البرامج الحوارية خلال الأشهر القليلة الماضية، فعادة ما تبدأ المقابلة بفرضية خاطئة ليتبعها سؤال عميق، مثل: “يعلم الجميع بسرقة الصين لمئات المليارات من الدولارات سنويا من الملكية الفكرية الأمريكية، ألم يحن الوقت لوقوف أمريكا في وجه أكبر تهديد اقتصادي لها؟”.
ولكن ما الذي يعرفه الجميع حقا؟
.. قدرت لجنة سرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، التي يرأسها المدير السابق للاستخبارات الوطنية دنيس بلير وحاكم ولاية يوتا السابق جون هانتسمان جونيور، في عام 2017، أن سرقة الملكية الفكرية تكلف الاقتصاد الأمريكي ما يتراوح بين 225 و600 مليار دولار سنويا وهو نطاق واسع للغاية.
ومن المعتقد أن الأسرار التجارية المسروقة تشكل ما يتراوح بين 80% و90% من إجمالي المسروقات، أما البقية فهي عبارة عن أجهزة وبرامج مقلدة ومسروقة.
وعندما يتعلق الأمر بالأسرار التجارية المسروقة، فهناك مشكلة، خصوصا أنه لا توجد أي بيانات موثوقة لدعم التقديرات.
فلجنة سرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية تعتمد على دراسة أجرتها شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” ومركز المشروعات والتجارة في عام 2014، وتعتمد هذه الدراسة في حد ذاتها على نماذج مشكوك فيها في اﻷساس، فقد توصلت إلى البيانات الإحصائية باستخدام البيانات المتاحة حول الأنشطة الشنيعة، مثل الاتجار بالمخدرات والفساد والاحتيال والتدفقات المالية غير المشروعة.
وفي الوقت الذي تثير فيه هذه السمات المشاكل لأي دولة، إلا أنها تتطلب حسن نية كبير لتحويل هذه المعلومات إلى نسبة تتراوح بين 1% و3% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي تدعى لجنة سرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية انخفاضه نتيجة سرقة الملكية الفكرية.
كما تثير تقديرات اللجنة لمقدار الخسارة التي تنسبها إلى الصين الشكوك، فهي تأتي من جانب الولايات المتحدة، حيث أبلغت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية عن مصادرة سلع مقلدة ومسروقة بقيمة 1.35 مليار دولار في عام 2015.
وفي الوقت نفسه، لم تكن هناك أي محاولة لتحديد نصيب الصين من الأسرار التجارية المسروقة، التي تمثل الجزء الأكبر من التقدير الإجمالي لخسائر الولايات المتحدة في الملكية الفكرية، وخلاصة القول إن الأمر الوحيد الذي يعرفه الجميع حول السرقة المزعومة للملكية الفكرية من الولايات المتحدة يأتي من أدلة ضعيفة مستمدة من نماذج مشكوك فيها للغاية.
وفي إطار هيكل المشروع المشترك، وهو عقد طوعي بين طرفين، من الصعب تصديق أن الشركاء اﻷمريكيين والصينيين يشتركون في نفس المواهب والاستراتيجيات وأنظمة التشغيل وتصاميم العمليات، وأيضا تكنولوجيات الإنتاج في جهودهم الجماعية لبناء أعمال جديدة.
واعترف مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة بأنه ليس لديه أي دليل قوي يثبت أن هذه المشاركة تم الإجبار عليها، وهو جوهر الإدعاء، فتقرير المكتب الأمريكي المكون من 182 صفحة يقول إن القبول يشير إلى أن سياسات وممارسات النقل أصبحت ضمنية بشكل أكبر ويتم تنفيذها في الغالب من خلال التعليمات الشفهية.
وفي أعقاب الأسئلة الكثيرة للجنة حقوق الملكية الفكرية، اعتمد مكتب الممثل التجاري الأمريكي أيضا على استقصاءات بالوكالة أجراها مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، ليفيد 19% من المستطلعين بأنهم أجبروا على نقل التكنولوجيا إلى شركائهم الصينيين.
ومن اللافت للنظر أن الاستطلاع اﻷخير الذي أجراه مجلس اﻷعمال في عام 2018، أظهر أن 99% من المشاركين في الاستطلاع لم يلحظوا أي تدهور في حماية الملكية الفكرية خلال العام الماضي.
وفي حين تزعم الصين أن السياسات الصناعية التي تشرف عليها الدولة، مثل حملة “صنع في الصين عام 2025″، تعد جهد فريد لتشجيع الصناعات الرائدة، مثل الذكاء الاصطناعي، أشار البعض إلى أنها اليابان وألمانيا وحتى الولايات المتحدة – من خلال برنامج البحث والتطوير المتمركز حول البنتاجون – دعموا سياسات مماثلة محليا.
ويجب العلم أن الصين بعيدة كل البعد عن الكمال ويجب خضوعها للمساءلة عن التجاوزات الاقتصادية المؤكدة، ولكن قضية أمريكا ضد الصين تستند إلى القصص والأدلة الهشة التي لا تعتمد على تحقيق جاد، ففي الوقت الذي تتحول فيه الحرب التجارية الآن إلى حرب باردة، سيكون من الحكمة أن تتوقف الإدارة الأمريكية الحالية عن الاعتماد على حقائق بديلة لخوض معاركها.
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج
ترجمة: منى عوض