جاءت أزمة انهيار أسعار البترول ثم تلاشت، ولكن الديون التى خلفتها اﻷزمة فى الخليج لاتزال تنمو، تاركة اقتصادات المنطقة التى تعتمد على الطاقة أكثر عرضة للخطر أمام أى أزمات أخرى مقبلة.
وقالت وكالة أنباء “بلومبرج”، إن دول الخليج كانت لا تعانى من الديون قبل عام 2014، ولكن عندما انخفضت أسعار البترول بشدة بعدها، حاولت العديد من حكومات الخليج الاقتراض فى نفس الوقت الذى يبذلون فيه جهود حذرة لخفض الإنفاق وتنويع اقتصاداتها.
وفى الوقت نفسه، أدى الحصار، الذى تقوده السعودية ضد قطر، إلى تقسيم دول مجلس التعاون الخليجى الست، كما أن الديناميكيات الإقليمية المعقدة تعنى أنه أصبح من المفروغ منه قيام الدول القوية بإنقاذ الدول الضعيفة دون أى قيود.
وقال زياد داود، الخبير الاقتصادى لدى “بلومبرج”، إن أزمة انهيار أسعار البترول المقبلة ستكون أشد إيلاماً من تلك الأزمة التى حدثت قبل 5 أعوام، مما يزيد من خطر حدوث ركود اقتصادى على المستوى الإقليمى لأن الحكومات سوف تضطر إلى خفض الإنفاق فى الوقت الذى ستكون فيه الأسواق أكثر تردداً فى الإقراض.
وأضاف داود أن اقتصادات دول الخليج أكثر عرضة لانهيار أسعار البترول اليوم بشكل أكثر من الهبوط الأخير عام 2014، فمستويات الديون أعلى واحتياطيات النقد الأجنبى أقل، كما أن فرصة تجميع الموارد أقل، وبالتالى قد يكون الانخفاض الحاد فى أسعار البترول أكثر ضرراً هذه المرة.
وذكرت “بلومبرج”، أن أسوأ أزمة مر بها قطاع البترول على مدى جيل كانت بمثابة لحظة الحقيقة بالنسبة لعمالقة الطاقة فى جميع أنحاء الخليج، التى تضم أكبر مصدرى البترول الخام والغاز الطبيعى المسال فى العالم.
وبعد إنفاق الثروة البترولية على المساعدات الحكومية السخية خلال فترة ارتفاع أسعار البترول التى امتدت لأكثر من عقد، قضت الحكومات الخليجية، التى عانت من ضائقة مالية مفاجأة، السنوات القليلة الماضية فى خفض الدعم والمنافع التى يستمتع بها المواطنين، فى الوقت الذي تحاول فيه أيضاً تجنب ردود الفعل الشعبية.
وفرضت السعودية والإمارات رسوم وضرائب قيمة مضافة للمرة اﻷولى، ولكن احتمالية خفض فواتير الأجور المتضخمة يعد أمراً محفوفاً بالمخاطر السياسية، كما أنها تظل أكبر بند موجود فى الموازنات الخليجية.
وفى الوقت الذى تبرز فيه مشكلات عمان والبحرين، فإن تجربة أصغر اقتصادين فى دول مجلس التعاون الخليجى ربما تكون أقل استثناء من التحذير لما يمكن أن يحدث فى المستقبل إذا لم تنوع الحكومات اقتصادات بلادها سريعاً.
ووفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرج”، شكلت دول مجلس التعاون الخليجى، فى عام 2018، نحو ربع سندات الأسواق الناشئة المباعة بالدولار واليورو، بارتفاع من 2% فقط، وبشكل عام، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالى بمقدار 3 أضعاف تقريباً فى اقتصادات الخليج منذ عام 2014.
وقال سيرغى درغاشيف، كبير مديرى المحافظ الاستثمارية فى الاتحاد الاستثمارى التابع لشركة “برايفت فندز” فى فرانكفورت، إن الأمر سيصبح خطيراً بالنسبة للمشاركين فى السوق إذا خرجت دوامة الديون عن السيطرة، خاصة عند اقترانها بانهيار أسعار البترول والمخاطر المحلية، مثل المسائل المتعلقة بالإرث السياسى.
وأشار درغاشيف إلى أن التنوع الاقتصادى ضعيف وسيتطلب الأمر الكثير من الوقت لمعالجته.
وتتفاوت الصورة عبر الدول الأعضاء فى المجلس الخليجى، حيث تتمتع قطر والكويت بحماية نتيجة الاحتياطيات النقدية الضخمة، كما أن الإمارات تحظى بوضع قوى أيضاً، بينما يبدو مستقبل عمان والبحرين، اللتين سجلتا أداءاً بطيئاً فى تنفيذ الإصلاحات المالية رغم تراجع احتياطى الطاقة، أكثر غموضاً.
ووجدت شركة “بلومبرج إيكونوميكس”، أن عمان والبحرين لديهما بالفعل ديناميكيات غير مستدامة للديون، فى حين أن التوقعات متفاوتة بالنسبة للسعودية، حيث يمكن أن تصل الديون إلى السقف الذى فرضته المملكة على نفسها عند 30% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2020 إذا استمر عجز الموازنة الكبير ولم تلجأ إلى الاحتياطيات الأجنبية التى انخفضت بمقدار الثلث منذ منتصف عام 2014.
ويأتى عجز الموازنة فى عمان ضمن أكبر العجوزات فى الدول التى تتبعها مؤسسة “فيتش” للتصنيف الائتمانى، كما آثارت المخاوف بشأن الاحتياطيات الأجنبية الضغيفة فى عمان جدلاً حول ما إذا كانت ستحتاج إلى حزمة إنقاذ مثل البحرين، التى حصلت على حزمة فى العام الماضى.
وقال أندرس فايرجمان، المدير لدى “بينى بريدج إنفستمينتس” فى لندن، التى تشرف على أصول خارجية بقيمة 90 مليار دولار، إن مستويات الديون المتزايدة تعد مصدراً واضحاً للقلق، إذا لم يكن هدفاً واضحاً إذا فشل النمو الاقتصادى فى الانطلاق.
وسلط فايرجمان الضوء على وضع دول الخليج، التى تعتمد بشدة على مصدر واحد للدخل، قائلاً إنه من المهم تنويع مصادر نموها ودخلها من أجل المستقبل.