الاتحاد الأوروبى لا يتجاوب مع التدابير التى تضعها لندن لتخفيف حدة الخروج
يلوح خروج بريطانيا من الاتحاد من الاتحاد اﻷوروبى دون صفقة فى اﻷفق، خلال مارس الجارى، ولكن لم تتوافق الآراء حول كيف يمكن أن يؤثر الخروج دون اتفاق على الاقتصاد أو حتى حول المعنى الفعلى لـ«لا صفقة».
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أنه إذا رفض أعضاء البرلمان مقترح رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى للخروج مرة أخرى فى 12 مارس الجارى، سيتم عقد تصويت آخر للخروج دون اتفاق فى 13 مارس على أقصى تقدير، والتصويت لصالحه يعنى الخروج دون صفقة فى 29 مارس.
وقالت الجهات المؤيدة للاتحاد اﻷوروبى، إن الخروج دون اتفاق سيؤدى إلى حصار اقتصاد بريطانيا، ما قد يؤدى إلى المعاناة من مشكلات فى الطرق ونقص الغذاء والدواء، ولكن مؤيدى الخروج يعتقدون أن «اللاصفقة» نعمة من شأنها السماح للبلاد بتسريع وتيرة التجارة مع بقية العالم.
وتبنى مارك كارنى، محافظ بنك إنجلترا المركزى وجهة نظر وسطية، قائلاً إن الخروج دون صفقة سيؤدى إلى توقعات اقتصادية أسوأ من التوقعات الحالية، مضيفاً أن الشركات أبلغت وكلاء البنك المركزى بأنها تتوقع انخفاضاً حاداً فى الإنتاج والتوظيف والصادرات، بجانب زيادة كبيرة فى الأسعار.
ووفقاً لذلك، حددت «فاينانشيال تايمز» كيف يمكن أن يؤثر الخروج دون صفقة على قطاعات حيوية هذا العام، ويشير التحليل إلى أن توقعات الفوضى قد تكون مبالغاً فيها، ولكن الاضطرابات شبه مؤكدة، وبالتالى سيكون هناك تداعيات اقتصادية.
الموانئ
تصل التوقعات التى تفيد باحتمالية حدوث أزمة إلى موانئ بريطانيا، خاصة ميناء دوفر، ولكن بروكسل قد اتخذت إجراءات للحد من الاضطراب، معلنة عن تدابير أحادية الجانب من شأنها أن تمنح الشاحنات البريطانية إمكانية الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبى لبقية عام 2019.
ومع ذلك، لن تضمن هذه الخطوة تدفقاً سلساً فى الموانئ، ولكن بعض التطورات ستساعد فى ذلك، خاصة أن كبرى شركات صناعة السيارات أعادت جدولة عمليات الإغلاق السنوية المخطط لها حتى أبريل لتجنب العقبات المحتملة، كما تخلت هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك عن معايير السلامة والأمن الخاصة بالواردات البريطانية وبسطت مؤقتاً إجراءات التصاريح الجمركية.
وقالت آنا جيرزويسكا، متخصصة جمارك، إن هذه الخطوات لم تتم الموافقة عليها من قبل الاتحاد الأوروبى، وبالتالى فإن الإجراءات المبسطة تعد جزئية ولن تكون قادرة على إزالة العقبات.
اﻷطعمة
من الممكن أن يتسبب أى اضطراب فى ضرر كبير على تجارة اﻷغذية، لأنه القطاع الذى يتمتع بأعلى التعريفات الجمركية ولديه عدد من القوانين المتشددة، كما يمكن أن يعانى المستهلكون ارتفاعاً حاداً فى أسعار اللحوم ومنتجات الألبان؛ بسبب خطط الحكومة البريطانية لفرض تعريفات لازمة لحماية قطاعات الزراعة الحساسة.
بالإضافة إلى ذلك، يقع مصدرو الأغذية بشكل خاص فى مرمى النيران، خاصة أن منتجى اللحوم والألبان لم يتمكنوا فى البداية من بيع أى لحوم على الإطلاق فى الاتحاد الأوروبى، الذى يستورد المنتجات الحيوانية فقط من دول معينة، وربما تتم الموافقة على طلب بريطانيا بيع مثل هذه المنتجات على الفور أو قد يستغرق الطلب أسابيع أو شهوراً.
أما التحدى التالى الذى ربما تواجهه بريطانيا فيتمثل فى حجم عمليات التفتيش المطلوبة لتحديد معايير الاتحاد الأوروبى الغذائية، فبريطانيا لا تملك عدداً كافياً من الأطباء البيطريين المخولين بإجراء عمليات تفتيش، كما أن شبكة التفتيش الحدودية التابعة للاتحاد اﻷوروبى لا تشمل بعد ميناء دوفر البريطانى أو كاليه الفرنسى.
الخدمات
بالنسبة للخدمات، التى تشكل 80% من الاقتصاد البريطانى، يتمثل القلق الرئيسى حول ما إذا كان الخروج بدون صفقة يقضى ببساطة على بعض الأنشطة التجارية البريطانية الموجودة فى الاتحاد الأوروبى، ويجعل الفرص الجديدة بعيدة المنال.
وقال ألان وينترز، أستاذ الاقتصاد فى جامعة ساسكس، مدير مرصد السياسة التجارية لبريطانيا، إن التجارة ستكون مستحيلة فى مناطق معينة، وليست أكثر تكلفة فقط.
بالإضافة إلى ذلك، اتخذت المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى تدابير لضمان سريان مفعول عقود الخدمات المالية القائمة، لتبديد أى مخاوف متعلقة بإمكانية تسبب «اللاصفقة» فى أزمة مالية فورية.
ولا يزال من المقرر خسارة لندن لبعض أعمال الخدمات المالية التى كانت ستفوز بها، ولكن العواقب الاقتصادية لمثل هذه الخسارة لن تظهر على الفور.
وفى خطوة أخرى للحد من تأثير «اللاصفقة» على سوق الخدمات، حددت المملكة المتحدة معايير مهنية متوافقة مع الاتحاد الأوروبى، لكن الكتلة لم تتجاوب مع أى إجراءات اتخذتها بريطانيا لتخفيف صدمة الخروج، ما قد يخلق مشاكل كبيرة للمحامين الدوليين والمحاسبين والمهندسين المعماريين والأطباء والممرضين وغيرهم.
الاستجابة السياسية
أقر بنك إنجلترا باحتمالية خفض أسعار الفائدة للحد من تأثير الصدمة الناجمة عن الخروج، فقد قال محافظ البنك المركزى للبرلمانيين إن البنك سيقدم جميع الحوافز الممكنة لتحقيق استقرار اﻷسعار، ولكن دون مبالغة فى ما يمكن للبنك تقديمه.
ومن الممكن أن يساعد خفض أسعار الفائدة على خفض أو منع تراجع الطلب، إذا أثر الاضطراب على ثقة الشركات والمستهلك، ولكن السياسة النقدية لا يمكنها المساعدة إذا كانت المشكلة متعلقة بشكل رئيسى بجانب العرض، وبالتالى سيؤدى انخفاض أسعار الفائدة، فى هذه الحالة، إلى تعزيز التضخم، ما يفاقم الآثار المترتبة على الانخفاض المحتمل فى قيمة الجنيه الإسترلينى.