بقلم: كونر سين
كاتب مقالات رأي في وكالة أنباء “بلومبرج، ومختص بالشئون التكنولوجية
بدأت الآثار السلبية للاستراتيجيات القائمة على خفض التكلفة في الضرب يمينا ويسارا، سواء كان الأمر يتعلق بأجور المعلمين أو متاجر التجزئة أو شركات الأطعمة المعلبة، وكانت شركة “كرافت هاينز” أحدث مثالاً بعدما هبطت أسهمها نتيجة الأرباح الضعيفة والتوقعات القاتمة.
كان خفض التكلفة أمراً حتمياً لمعظم المؤسسات، وكان السمة الشائعة في الولايات المتحدة على مدار الـ15 عاما الماضية أو نحو ذلك، وكانت البداية الجيدة لهذا العقد هي دمج “سيرز”، و”كيه مارت” في أواخر 2004، وفي ذلك الوقت، كانت الشركتان العاملتان في مجال التجزئة غنيتين بالنقدية ومربحتين، ولكنهما ركدتا مقارنة بالمتاجر الضخمة مثل “تارجت” و”وول مارت” وقطاع التجارة الإلكترونية الصاعد، وكان التفكير حينها أنه عندما يتم دمج المتنافستين المتعثرتين، فسوف تُزال “أوجه عدم الكفاءة”، ما سيطلق النقدية للاستثمار في النمو أو إعادة رؤوس الأموال إلى المساهمين.
وفيما بعد، استخدم تجار التجزئة الآخرون نفس التفكير لمواجهة التهديدات من التجارة الإلكترونية وخفضوا الاستثمارات في الفروع الجديدة لصالح إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح، وهناك منطق وراء هذا التفكير، وهو أنه إذا كان الانفاق المادي على التجزئة سوف يكون ثابتا، بينما سيأتي معظم النمو في الاستهلاك من التجارة الإلكترونية، فلماذا إذا الاستثمار في المتاجر؟ لماذا لا نعيد الأرباح إلى المساهمين بدلاً من ذلك؟.
وتبنت شركات الأطعمة المعلبة نفس الفلسفة كذلك، وفي السلع الاستهلاكية الأساسية مثل البيرة والكاتشب، كان السوق ناضجا ويتمتع بطلب ثابت على العلامات التجارية المعروفة منذ وقت طويل ولكن ينمو ببطء، وإذا كنت لا تستطيع إجبار الناس على استهلاك كميات أكبر من البيرة والكاتشب، فإن أفضل طريقة لتعزيز الأرباح هي البحث عن طرق لخفض التكاليف.
وابتكرت شركة “ثري جي كابيتال” البرازيلية أكثر الطرق راديكالية لهذه الفلسفة، وهي الميزانية الصفرية، والتي لا ينظر فيها إلى خفض تكاليف معينة من الشركة، وإنما تبدأ من الطرف الآخر، ولا تعتمد على الموازنات السابقة، ثم يتم تخصيص موازنة لكل بند بالحد الأدنى المطلوب، وهو ما سمح للشركات بخفض التكاليف بشكل أسرع وأعمق من ذي قبل، ما ينتج عنه مكاسب ضخمة قصيرة الأجل في الربحية.
وانتشرت هذه الفلسفة الجديدة في القطاع العام والحكومات المحلية في أعقاب الركود الكبير، وكان أكثر من عانى من ذلك هم الموظفون الحكوميون مثل المدرسين، وعلى عكس الحكومات الفيدرالية، لا تستطيع الولايات طبع الأموال ويجب عليها موازنة موازناتها، وتسبب تقلص النشاط الاقتصادي في انخفاض الإيرادات الضريبية، وبالتالي خفض مؤلم للإنفاق وتجميد المرتبات للعاملين في القطاع العام، وعندما ارتفع معدل البطالة، كان الموظفون الحكوميون شاكرين لمجرد حفاظهم على وظائفهم، وكان بإمكانهم تحمل الاستمرار بدون ارتفاع في الأجور لفترة.
ونجحت هذه الاستراتيجيات لفترة، ولكنا نرى الآن عيوب استراتيجية بدت معقولة للمؤسسات في منتصف الألفينات حتى منتصف 2010، وجنت سنوات عدم الاستثمار على شركات التجزئة والأطعمة المعلبة بينما تفوقت الشركات المنافسة التي انفقت على الاستثمار مثل “وول مارت” و”تارجت”، وستنهار الشركات الأخرى مثل “سيرز” و”كيه مارت”.
وكشف تغير وتنوع أطعمة المنتجات عيبا في استراتيجية خفض التكلفة التي طبقتها “ثري جي كابيتال” التي كانت تدير “كرافت هاينز”، حيث أدى ضعف استثماراتها في منتجاتها إلى تحول المستهلكين إلى المنتجات المنافسة.
وفيما يخص الحكومات، يمكن أن يؤدي تجميد الأجور والتوظيفات الجديدة إلى استقرار الموازنة مؤقتا، ولكن في النهاية يقود ذلك إلى نقص العمالة وعدم القدرة على التوظيف في حالة سوق العمالة المحدود (الذي تكثر فيه الوظائف عن العاملين).
ويعد ارتفاع التكاليف جزءاً من القصة كذلك، ورغم أن إجمالي التضخم وتوقعاته تبقى عند حوالي 2%، فقد نمت تكلفة الشحن والنقل، وبعض السلع الأساسية، بسرعة أكبر من التضخم ككل، وبالنسبة لشركات التجزئة والأطعمة المعلبة، يكون لارتفاع التكاليف وتراجع الطلب تأثير مدمر على الأرباح، وبالنسبة للقطاع العام، عندما ترتفع تكلفة توظيف الأشخاص بشكل أسرع من نمو إيرادات الضرائب، فهذا يعني إما رفع الضرائب لإيجاد أموال للتوظيف أو قبول وجود فجوات في الخدمات.
ولمدة عشر سنوات، عملت المؤسسات في بيئة حيث كان خفض التكاليف معقولا وضروريا، ولكن تغيرت البيئة، والخيار الآن بين الاستثمار أو الفناء.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”