منذ وقت ليس بالقليل، هناك نشاط دؤوب داخل أروقة الحكومة المصرية من ناحية، ومن جانب البنك المركزى من ناحية؛ سعياً لخلق حالة من الرواج الاقتصادى المعزز بالاستثمار الاجنبى والمحلى من جانب والمدعوم بميكنة ورقمنة الإجراءات والمعاملات المالية والإدارية من جانب آخر، وصولاً إلى اقتصاد يتسم بمفردات جديدة لم يعهدها من قبل.
فكان الحديث حول الشمول المالى، ميكنة الإجراءات، الشباك الواحد، المركز الموحد لخدمة المستثمرين، الخدمات الحكومية إلكترونياً.
وقد صاحب كل ذلك التشريع المناسب له لكى يكون موضع التطبيق بأساس تشريعى واضح من البداية، فصدرت العديد من التشريعات الاقتصادية المختلفة بدءاً من قانون المستوردين رقم 7 لسنة 2017 وقانون ضريبة القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016 وقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 وكذلك قانون قانون الشركات وسوق المال وغيرهما من التشريعات التى وضعت فيها الحكومة رؤيتها للاقتصاد المصرى اتساقاً مع رؤية 2030 الاقتصادية.
فقامت وزارة الاستثمار بهيكلة مركز خدمات المستثمرين وتقديم خدمة التأسيس للشركات لتكون فى يوم واحد فقط إذا كانت المستندات جاهزة كما توسعت فى عدد هذه المراكز على مستوى الجمهورية.
وقامت وزارة المالية بتفعيل المراكز اللوجستية وميكنة العمل بنظام الشباك الواحد وبدأت بالمركز اللوجستى بقرية البضائع وأعطت الحكومة الأهمية القصوى له ليكون إيذاناً للعمل به بتوقيع وزيارة رئيس مجلس الوزراء.
كما قامت هيئة التنمية الصناعية بتطبيق منظومة أكثر مرونة فأصبح الترخيص الصناعى والحصول على السجل بالإخطار، فضلاً عن الميكنة للهيئة وربطها مع الجهات المختلفة ومنها الجمارك، لضبط الإيقاع الصناعى بمصر.
وصاحب ذلك وبنفس الرؤية الطموحة، قيام البنك المركزى بالنظر فى القيود السابقة على العملة الأجنبية فى عمليات التجارة الخارجية. فقامت بتخفيف القيود بشكل كبير للغاية مما أتاحت وفرة فى المعروض من العملة الأجنبية مؤخراً كان له تأثيره الواضح على سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الاخرى وفى صالح العملة المحلية.
وبعد كل ما تقدم، فإن النتائج المرجوة من المفترض أن تذهب بالاقتصاد الى مكان أفضل بكثير من واقعه الحالى، إلا أن التطبيق لكل التشريعات الطموحة اصطدم بحجر الروتين المصرى الأصيل. نعم عدد الشركات التى قامت بالتأسيس والتوسعة 2172 شركة فى فبراير 2019 باستثمارات 6.3 مليار جنيه وفقاً لتصريح وزارة الاستثمار، السؤال كم من هذه الشركات استطاعت أن ينتقل من مرحلة التأسيس إلى أرض التشغيل والعمل؟ نعم التشريع يؤكد على تخفيض عدد المستندات المستخدمة فى عملية الإفراج الجمركى، الا أن الفترة الزمنية اللازمة لفحص السلع المنتجات تستغرق أكثر من شهر لبعض الاصناف وتصل إلى ثلاثة شهور لمن تحتاج لموافقات بالجهات الأمنية وما زالت المستندات تطلب دون الأخذ بالتشريعات الجديدة.
نعم الدولة تشجع على التصدير ودعم الصادرات، إلا ان أحد أهم المستندات للحصول على الدعم هو الحصول على صورة طبق الأصل من مستندات التصدير المنفذة بالجمارك وللحصول على هذه النسخة تحتاج الشركة لوقت طويل للحصول عليها. نعم الدولة تشجع بقانون القيمة المضافة عمل التسويات اللازمة لرد الضريبة عند التصدير، ولتحقيق ذلك تصدر المأموريات الضريبية الحصول على نسخة طبق الأصل من مستندات التصدير واذا ذهبت الشركة الى الجمارك للحصول على نسخة إلكترونية فتقدمها الجمارك دون توقيع بخاتم النسر وهذه هى التعليمات وإذا عدنا لمصلحة الضرائب بهذه البيانات فترفضها مصلحة الضرائب، لماذا؟! لأنها غير مختومة بخاتم النسر التى تصر الجمارك على عدم توقيع المستندات به.
المفاجأة أن هذه البيانات من الأساس موجودة على قاعدة البيانات الجمركية ومرسل منها نسخة إلكترونية الى مصلحة الضرائب المصرية لاستخدامها، اى لا حاجة من الأساس للنسخة الورقية المرسلة من الجمارك لمصلحة الضرائب والأولى بها ان تطلع على هذه البيانات المرسلة من الجمارك وتختصر كل الوقت والتكلفة.. ختاماً، التشريع عظيم والأمنيات أعظم إلا أنها تحتاج لإدارة حكومية تتسم بذات المرونة التى يهدفها التشريع والحكومة تحقيقاً لرؤيتنا 2030.
د. بدوى ابراهيم
خبير اقتصادى وجمركى