يستعد صندوق النقد الدولى لإطلاق شريحة جديدة من حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار لصالح مصر خلال الفترة المقبلة، فى ظل محاولات الحكومة المضى قدماً فى برنامج الإصلاحات الاقتصادية، الذى ساعد بدوره فى تعزيز ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى.
وأوضحت مجلة “ذا بانكر” البريطانية، أن مصر وضعت الاضطرابات التي واجهتها بداية العقد الجارى ورائها وتمضى قدماً نحو تحقيق نمو اقتصادى أكبر والتحول نحو اقتصاد أكثر تنوعاً، مشيرة إلى أن الوضع الاقتصادى فى البلاد آخذ فى التحسن رغم مواجهة العديد من التحديات.
ووفقاً لوكالة التصنيف الائتمانى “موديز”، من المتوقع أن تسجل مصر نموا بنسبة 5.5% في ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقى هذا العام، ونمواً نسبته 5.8% في عام 2020، في ظل انخفاض التضخم بشكل كبير ووصول البطالة لأدنى مستوياتها فى 10 أعوام تقريباً، بجانب التوجه نحو نموذج اقتصادى متوازن وتنافسى ومتنوع على النحو المنصوص عليه فى رؤية مصر 2030.
ورغم استمرار مواجهة البلاد للتحديات الاقتصادية، رفعت وكالتا “موديز” و”فيتش” للتصنيف الائتمانى توقعاتهما للاقتصاد المصرى من “مستقر” إلى “إيجابى” فى عام 2018، كما رفعت مؤسسة “ستاندرد آند بورز” تصنيفها الائتمانى لمصر إلى B، رغم تخفيضها للنظرة المستقبلية لمصر من “إيجابى” إلى “مستقر”.
وأوضحت المجلة، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى دفع مصر نحو تحسين أساسياتها الاقتصادية منذ توليه السلطة فى عام 2014، ففى عام 2016 أطلقت الحكومة برنامج إصلاح اقتصادي، بدعم من صندوق النقد الدولى، يتضمن تخفيضات صارمة فى دعم الطاقة وتحرير سعر صرف الجنيه المصري وفرض ضرائب جديدة، بما في ذلك إدخال ضريبة القيمة المضافة.
وقالت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولى فى ذلك الوقت، إن مصر حققت تقدماً كبيراً، مثلما يتضح من نجاحها فى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى، مضيفة أن معدل النمو الاقتصادى فى مصر يعد الآن من بين أعلى المعدلات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضافت أن معدلات العجز فى الموازنة تتخذ مساراً هبوطياً، كما أن معدلات التضخم تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى نسبة التضخم التي يستهدفها البنك المركزى المصرى بنهاية عام 2019.
وأوضحت “ذا بانكر”، أن الحكومة المصرية تواصل النظر إلى قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتباره المحرك الرئيسي للنمو، ففى عام 2016 أطلق البنك المركزي برنامجا مدته 4 أعوام بقيمة 25 مليار دولار، تهدف من خلاله توفير حوافز مالية لازمة للشركات الصغيرة والمتوسطة، كجزء من الجهود المبذولة للحد من البطالة وتشجيع الشباب على بدء مشاريعهم الخاصة.
وفي فبراير 2019، أطلقت الحكومة مبادرة جديدة باسم “رواد النيل”، تستهدف من خلالها تقديم دعم فنى وإدارى لصالح المشاريع الصغيرة والشركات الناشئة، فقد أوضحت لبنى هلال، نائب محافظ البنك المركزى المصرى، إن التمويل لم يعد يشكل العقبة الأساسية أمام المشروعات ورواد اﻷعمال فى البلاد.
وسنت الحكومة المصرية تغييرات تشريعية تهدف إلى تحويل البلاد لتصبح أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين الأجانب والمحليين، بما فى ذلك قانون الاستثمار 2017 الذى يمنح المستثمرين حقوق وحماية، كإصدار تصاريح الإقامة والحق فى تحويل الأرباح والحق فى تلقى مساعدة مالية دولية دون قيود، بالإضافة إلى قانون الإفلاس الذى أقره البرلمان المصرى فى يناير 2018 بهدف تحسين بيئة ومناخ الاستثمار فى البلاد.
وفى حين أن هذه الخطوات تعد بمثابة تطورات واعدة، تواصل مصر الكفاح لجذب مستثمرين أجانب جدد، ممن كانوا حذرين عقب ثورة 2011 والتوترات الاجتماعية والسياسية التى تلتها.
وأوضحت إيلينا سانشيز كابيزويلو، رئيسة قسم البحوث المالية والأسهم لدى المجموعة المالية “هيرميس”، أن الاستثمار اﻷجنبى المباشر هو المجال الوحيد الذي لم يظهر بعد مزيداً من القوة، ولكن المسئولين فى الحكومة المصرية يعملون على تعزيزه بشكل كبير، مضيفة أن تحرير سعر صرف العملة فى عام 2016 جعل مصر أكثر جاذبية بالنسبة للشركات، من حيث العمالة المحتملة والتكاليف اﻷخرى.
وأوضحت المجلة البريطانية أن التضخم، الذي ارتفع بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016، يعد مصدر قلق أيضا، مشيرة إلى أن الجنيه المصري فقد نصف قيمته عقب تحرير سعر الصرف مباشرة كما أن التكاليف الأساسية للمصريين ارتفعت، حيث وصل مؤشر أسعار المستهلكين إلى 35% فى منتصف عام 2017.
وفي فبراير 2019، ارتفع معدل التضخم اﻷساسي إلى 14.4%، من 12.7% فى يناير الماضى، مما يسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجهها البلاد المستمر، بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 15.3% على أساس سنوى، في حين شهدت قطاعات السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود زيادة مماثلة، وكذلك التعليم، وبالتالي فإن خفض التضخم هو الهدف الذى تضعه البلاد ضمن أولوياتها اﻷولى على المدى المتوسط.
ومع ذلك، يعتقد الكثيرون أن مصر لديها الآن المكونات الصحيحة للنجاح الاقتصادى، خاصة فى ظل انتعاش قطاعات مثل القطاع السياحى، كما أن بنك “ستاندرد تشارترد” توقع فى تقرير صادر عنه فى يناير الماضى أن تصبح مصر سابع أكبر اقتصاد فى العالم بحلول عام 2030، ويعتقد محمد أوزالب، العضو المنتدب والرئيس التنفيذى لبنك بلوم مصر، بإمكانية أن تصبح مصر واحدة من أفضل دول الأسواق الناشئة من حيث النمو والتنمية.
