زاد تحليل جديد أجرته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، المخاوف من أن البلدان النامية ستكون الأكثر تضرراً من الموجة المتوقعة من «الدمار الكبير»، إذ ستضيع الوظائف فى مسيرة توسع استخدام الروبوت، ويعتقد الخبراء الاستراتيجيون أن هذا يحدث بالفعل، عندما يتحول التقدم التكنولوجى بعيدًا عن تفضيل العولمة إلى تحفيز الإنتاج إلى الاقتصادات المتقدمة.
وقال رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لدى بنك «باركليز»، مارفن بارث، إن التقدم التكنولوجى الذى كان فى السابق ميسراً لسلاسل التوريد العالمية، يتحدى الآن صانعى الأسواق الناشئة فى صعود سلم القيمة المضافة ونمو الإنتاجية، وأضاف بارث، الذى يخشى أن يؤدى ذلك إلى تدهور مؤسسات الأسواق الناشئة ما قد يخلق دوامة هبوطية فى بعض الاقتصادات.
وأشار أحدث تحليل لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، إلى أن معدل الوظائف أصبح عاليا أو كبير المخاطر بسبب توسع استخدام الروبوت.
ورغم أن معظم أعضاء المنظمة من الدول المتقدمة ، فقد تضمنت أيضًا عددًا من الدول التى تعتبر «ناشئة» من قبل منظمات مختلفة، وهى فى الغالب تلك التى تقف فى خط النار، وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، انه بشكل عام سجلت سلوفاكيا أسوأ حالاتها فى هذا التحليل، إذ كانت %64.4 من الوظائف مرتفعة المخاطر بسبب استخدام الروبوت.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية، ومنها ليتوانيا وتركيا واليونان ليست بعيدة عن الركب، فى حين يُنظر إلى أمثال الدول الاسكندنافية ونيوزيلندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على أنها فى وضع أفضل لمقاومة المد المتوقع للروبوت.
وأضاف تحليل منفصل من قبل بنك «ستاندرد تشارترد»، مخاوف أخرى ،إذ أشار إلى أن موجة الاضطراب التكنولوجى أصابت بالفعل البلدان المتقدمة، مما أدى إلى «تفريغ» الوظائف المتوسطة من ذوى المهارات المتوسطة، ولكنها لم تصل بعد إلى العالم النامى.
وقالت رئيس البحوث فى «ستان شارت»، مادهور جها، إن السبب فى ذلك هو أن البلدان الناشئة لم تعتمد بعد التقنيات الرقمية بنفس القدر الذى كانت عليه فى العالم المتقدم، ومع ذلك، قالت جها، إن هناك سببين وراء التراجع الذى تتمتع به البلدان النامية حتى الآن.
الأول أنه من المحتمل أن ينتقل عدد أكبر من العمالة إلى وظائف متوسطة المهارة فى السنوات المقبلة مع تطور الاقتصادات، بينما من المحتمل أن يعتمد مزيد من أرباب العمل على التكنولوجيا الرقمية.
ثانياً.. تمتلك العديد من بلدان الأسواق الناشئة ومنها الهند وباكستان وبنجلاديش، والدول الأفريقية ومنها غانا وكينيا ونيجيريا، نسبة مئوية عالية من القوى العاملة العاملة فى وظائف الزراعة والتصنيع.
وفى الوقت الذى تندرج فيه العديد من هذه الوظائف فى فئة العمالة اليدوية غير الروتينية منخفضة المهارات، فإنه مع تقدم الاقتصاديات والارتقاء بسلسلة القيمة، فإن العديد من هذه الوظائف فى الزراعة والتصنيع ستؤدى فى النهاية إلى زيادة استخدام الروبوت.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا يرتبط بتحذير من البنك الدولى، فى عام 2016 بأن ثلثى الوظائف فى الأسواق الناشئة «عرضة للأتمتة» لكن هذه العملية ستعتمد على وتيرة الخلل التكنولوجى، وقال البنك الدولى، إن حصة المهن التى يمكن أن تواجه أتمتة كبيرة فى الواقع أعلى فى البلدان النامية مقارنة بالدول المتقدمة ،إذ اختفى العديد من هذه الوظائف بالفعل.. لكن من المحتمل أن يستغرق الأمر وقتًا أطول فى البلدان المنخفضة الدخل.
وأوضح البنك الدولي، أن العمال فى البلدان متوسطة الدخل ومنها الأرجنتين وكرواتيا وأوروجواى ولاتفيا والصين، معرضون أكثر للأتمتة من نظرائهم فى البلدان الأكثر فقراً، وكشف تحليل «باركليز»، أن الروبوت أصبح مصدر قلق، فى حين ركز البنك الدولى على استمرار النشاط الاقتصادى فى العالم الناشئ، ولكن مع وجود عدد أقل من الموظفين لكل وحدة إنتاج.وذهب بارث، إلى ما هو أبعد من ذلك بحجة أن التقدم التكنولوجى سيعنى أيضًا أن بعض النشاط ينتقل فعليًا من الأسواق الناشئة إلى البلدان المتقدمة، وقال بارث: «مع انخفاض تكاليف التشغيل الآلى لمعظم عمليات التصنيع لم يعد هناك حافز للشركات للاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج بعيدًا عن مراكز الطلب الرئيسية أو الأسواق المحلية».
وبدلاً من ذلك، قال إن الأتمتة الأرخص تتيح إنتاجًا أكثر تخصصًا يتناسب مع الأذواق والتفضيلات المحلية أو الفردية ويتطلب بشكل متزايد تعاونًا يتم القيام به محليًا بشكل أفضل.
وعلى سبيل المثال، أشار بارث، إلى شركة «أديداس» للملابس الرياضية التى تشهد عودة إلى الإنتاج المحلى فى ألمانيا ذات التكلفة العالية للعمالة، بسبب الجمع بين الجدوى التكنولوجية وطلبات العملاء لتخصيص المنتجات على الفور، مما يعنى أنه يمكنها أن تخلق أحذية مخصصة على الفور فى بعض متاجر البيع بالتجزئة فى الأسواق الرئيسية.
ويعتقد أن هذه الاتجاهات واضحة بالفعل فى بيانات الاقتصاد الكلى رغم أن الصورة ربما ليست واضحة تمامًا.
وعلى سبيل المثال، قال بارث، إن الاستثمار الأجنبى المباشر كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى ارتفع بسرعة فى الأسواق الناشئة فى التسعينيات والألفينيات، ولكنه انخفض منذ 2006-2007.
واستمر الاتجاه فى الارتفاع فى «البلدان الصناعية حديثًا» مثل هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، مضيفاً أن نسبة كبيرة من الاستثمار الأجنبى المباشر تأتى من الصين وربما يكون سياسيا أكثر من الدوافع الاقتصادية، وقال بارث، إن حصة الاستثمار فى الناتج المحلى الإجمالى تراجعت لمدة 3 عقود تقريبًا قبل الأزمة المالية العالمية فى العالم المتقدم، مع تحول قدرة التصنيع إلى العالم الناشئ، ولكنها ارتفعت منذ ذلك الحين.