السماح بالمبادرة الخاصة وتشجيع التصدير وتحرير سعر الصرف 10 أضعاف السوق الموازية
فى 1986 أطلقت «فيتنام» مشروعها النهضوى فى اجتماع للحزب الحاكم عام 1986، ولكن تم إدخال الإصلاحات الرئيسية ابتداءً من موازنة 1988 – 1989 والتى شملت العديد من العناصر لذلك من الخطأ التبسيط الزائد لخطط الإصلاح.
ويستحق الأمر بحسب تقرير لمعهد «بروكنيجز» الأمريكى التأكيد على 3 تغييرات مهمة تم إدخالها فى هذا الوقت، والتى تفاعلت بطريقة قوية وهى: فتح مساحة للمبادرة الخاصة، وفتح الاقتصاد أمام التجارة الخارجية والاستثمار المباشر، وتحقيق الاستقرار فى مستوى الأسعار وسعر الصرف.
وأشار المعهد الأمريكى إلى أن أول تقرير كبير للبنك الدولى، تم الانتهاء منه فى عام 1993 كان يسمى «فيتنام: الانتقال إلى السوق».
ويعتبر أساس اقتصاد السوق دعم توجه المبادرة الخاصة، وفى حالة فيتنام كان معظم السكان من المزارعين الذين جرى تنظيمهم فى مجموعات فى وقت واجهت فيتنام فيه مشكلة إطعام نفسها، وكانت تناشد الحصول على مساعدات غذائية دولية فى منتصف الثمانينيات رغم وجود الكثير من الأراضى الخصبة.
ويرى التقرير، أن الإصلاح الوحيد الأكثر أهمية هو إعادة الزراعة إلى نمط الزراعة الأسرية عندما لم يكن للعائلات حقوق ملكية ثابتة وقابلة للتداول، ما جعلهم يثقون بأنهم فى ظل النظام الجديد سيكونون قادرين على البيع والاستفادة مما يزرعون، والنتيجة أن الإنتاج الزراعى قفز على الفور بنسبة 20%.
وسمحت فيتنام، أيضاً، للشركات الخاصة الصغيرة بالبدء فى العمل بحيث كان هناك بعض التوسع فى الإنتاج الحضرى، وكذلك المطاعم وخدمات سيارات الأجرة والتصنيع على نطاق صغير، وإن لم يكن مقدار الازدهار فيها دراماتيكياً مثل التحول فى منطقة الريف والمجال الزراعى.
الإصلاح الرئيسى الثانى كان تحرير التجارة الخارجية والاستثمار فى وقت كانت فيه صادرات الأرز محظورة، وكان لها منطق معين يقوم على أن الشعب فى حاجة إلى إطعام نفسه.
ولحسن الحظ، تم رفع الحظر تماماً كما ارتفع إنتاج الأرز، وأصبحت فيتنام على الفور ثالث أكبر مصدر للأرز فى السوق العالمى وهذا مثال رائع على كيفية تفاعل الإصلاحات.

ومن المحتمل أن يفشل الإصلاح الزراعى دون تحرير التجارة؛ لأن زيادة الإنتاج فى اقتصاد مغلق تعنى انخفاضاً حاداً فى سعر الأرز وبمرور الوقت تقل المساحة المنزرعة فتتافقم أزمة الجوع داخلياً.
وكانت تجربة معظم الناس لإصلاح السوق سلبية، لكن الصادرات حافظت على سعر الأرز بحيث كان المزارعون أفضل حالاً، كما أن طلبهم على المنتجات الحضرية الأخرى نشر فوائد الإصلاح سريعاً فى باقى أنحاء البلاد.
وبدأت فيتنام باستيراد مجموعة واسعة من السلع المصنعة مثل أجهزة التلفاز والدراجات النارية، ما أسهم فى ارتفاع مستويات المعيشة، ففى حين أنها بدأت تصدير الأرز والفواكه فهى دولة ذات كثافة سكانية عالية.
وتكمن ميزتها النسبية فى التصنيع والخدمات وهذا هو المكان الذى جاء فيه الاستثمار المباشر مع شروع الحزب الشيوعى الحاكم فى تيسير تدفق الاستثمار الأجنبى، وسرعان ما اجتذبت منتجى الأحذية والملابس الجاهزة والأجهزة الإلكترونية التى تتطلب عمالة كثيفة رخيصة.
وساعد الاستثمار الأجنبى فى تطوير البلاد سريعاً مع خلق أكثر من 10 ملايين فرصة عمل بواسطة قطاع التصدير بعضها يقوم بالتصدير بشكل مباشر، لكن غالبية المجالات استفادت من التصدير بشكل غير مباشر.
وبعبارة أخرى، توسعت سلاسل القيمة إلى الجزء الأسفل من الاقتصاد المحلى، فمثلاً انشغلت الشركات الفيتنامية وكثير منها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم فى توفير قطع الغيار والخدمات للشركات الكبيرة التى تمثل معظم الصادرات.
والركيزة الرئيسية الثالثة هى الاستقرار المالى، وكانت الجهود تنصب على تخفيف معاناة ارتفاع التضخم منتصف الثمانينيات مع بداية خطط الإصلاح.
وكانت المشكلة الأساسية، هى أن القطاع العام «موحد»؛ حيث تسيطر الحكومة ومؤسساتها على النشاط الاقتصادى مما خلف عجزاً كبيراً لا يمكن تمويله عن طريق المدخرات المحلية أو المساعدات الخارجية.
وكانت الحكومة تطبع العملة وتوسع الائتمان المتدفق من البنك المركزى إلى المؤسسات الحكومية بمعدل كبير أدى إلى ارتفاع التضخم.
وخضعت الحكومة لتدخل جراحى لإنقاص عدد العمالة وقلصت على نطاق واسع القطاع العام بتسريح ملايين العمال مستغلة دور القطاع الخاص الذى يتوسع بسرعة كبيرة حتى تمت إعادة استيعاب العاطلين عن العمل بسرعة.
ومن أبرز علامات نجاح فيتنام خفض التضخم إلى أقل من 10% سريعاً، فمن الصعب بالنسبة لاقتصاد السوق أن يعمل بتضخم مزدوج الرقم «أعلى من 10%»؛ لأن مستوى استقرار الأسعار فى الأسواق يصبح مشوشاً.
وساعد الإصلاح على ضبط سعر الصرف، أيضاً، مع الاستقرار المالى، فعندما بدأت خطط الإصلاح تدخل مرحلة التنفيذ لأول مرة، كان سعر السوق السوداء حوالى 10 أضعاف السعر الرسمى.
ويخلق ازدواج سعر الصرف حوافز قوية للفساد، فقام البنك المركزى، بشجاعة بتخفيض سعر الفائدة الرسمى وصولاً إلى مستوى السوق الموازى.
ويضمن سعر الصرف الحقيقى حصول المزارعين وغيرهم من المصدرين على عائد عادل ويعنى ذلك أيضاً أن الأجور المحلية كانت منخفضة جداً؛ حيث تم قياسها بالدولار الأمريكى، وكان ذلك عامل الجذب الرئيسى للمستثمرين الأجانب الأوائل.
وأدى تخفيض قيمة العملة بالإضافة إلى انخفاض التضخم إلى تشجيع البنك المركزى للحفاظ على سعر الصرف مستقراً نسبياً فى السنوات القليلة التالية، وهو أمر إيجابى أيضاً للمصدرين والمستثمرين المباشرين.
ويشير تقرير «بروكينجز» إلى أن ظروف دول كثيرة تحتاج لنموذج فيتنام مثل كوريا الشمالية والتى تتميز بوجود عدد أكبر بكثير من سكان المدن وعدد أقل من المزارعين وهو ما يجعلها فى حاجة إلى اتباع قواعد فتح المجال أمام المبادرة الخاصة وفتح الاقتصاد أمام التجارة الخارجية والاستثمار المباشر وتحقيق الاستقرار فى مستوى الأسعار مع تحديد سعر الصرف عند مستوى واقعى لتشجيع الصادرات.