لا أخفي أني لأول وهلة أصابني الدوار من هول صدمة قراءة خبر مفاده أن الحكومة تدرس عرضي استحواذ على محطات كهرباء أسستها شركة سيمنس الألمانية، وهذا ما نقلته وكالة بلومبرج للأنباء؛ وانتشر الخبر سريعا في وسائل الاعلام، وصاحبه تعليقات تتراوح بين الغضب والسخرية والشجب إلى غير ذلك من ردود الأفعال المختلفة التي أظن أنها نتجت عدم قراءة الموضوع من الزاوية الصحيحة.
ربما تتحمل الحكومة وزر عدم مخاطبة المواطن بلغة بسيطة يستوعبها، بدلا من تركه فريسة سهلة للتفسيرات التي يقودها خبراء وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن قادة الشعارات الحنجورية ؛ والأخطر ترك الباب مفتوحا أمام مناهضي الدولة المصرية من الجماعات المحظورة لتزييف الحقائق ولخدمة أغراضهم؛ لذلك سوف أعرض بأسلوب مبسط الحقيقة وراء هذ الموضوع.
الحقيقة أن الحكومة المصرية قد تلقت عروضا من شركة تابعة لمجموعة بلاكستون العالمية، والتي تعد من كبري شركات إدارة الأصول في العالم، وشركة ماليزية أخرى وهي “إدرا باور” ، يتلخص العرض في الاستحواذ على محطات توليد الكهرباء الثلاثة التي أسستها مصر وتم افتتاحها العام الماضي بالتعاون مع شركة سيمنس الألمانية العملاقة، وهذه المحطات هي محطات كهرباء بنى سويف والبرلس والعاصمة الإدارية الجديدة بقدرة 14.4 ألف ميجاوات.
وفي حالة قبول أي من العرضين، فإن مصر ستشتري الكهرباء من الشركات المنتجة من خلال اتفاقية لشراء الطاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصر لديها فائض في القدرات الإنتاجية للكهرباء واحتياطي يبلغ نحو 20 ألف ميجاوات.
المعروف أن شركة سيمنس إيه جي وسيمنس تكنولوجي تدير الثلاث محطات بموجب عقد تشغيل وصيانة مدته ثماني سنوات يبلغ قيمته 352 مليون دولار يسدد بالعملة المحلية بنحو 2.6 مليار جنيه، وجزء يسدد باليورو يبلغ 176 مليون يورو أي ما يعادل 3.7 مليار جنيه.
وتبدأ شركة سيمنس تحصيل مستحقاتها بعد مرور 4 سنوات من التعاقد مع الشركة القابضة لكهرباء مصر
؛ وسوف تستمر سيمنس في إدارة المحطات إذا ما تم تنفيذ الصفقة.
الشيء الجيد في هذه الصفقة التي مازالت قيد الدراسة هو التأثير الإيجابي المتوقع على الدين الخارجي لمصر؛ فكما ورد بتقرير وكالة بلومبرج، سوف تتحمل الشركات التي تنوي شراء محطات الكهرباء الديون وأي مستحقات مالية متعلقة بتأسيس هذه المحطات التي بلغت تكلفتها نحو 6 مليارات يورو تم تمويل 85% منها من خلال قروض مدعومة بضمان سيادي من وزارة المالية.
فإذا كان الأمر كذلك، ستكون فرصة جيدة لخفض الدين الخارجي وأعبائه حيث يبلغ نحو 96.6 مليار دولار في ديسمبر 2018، بينما تبلغ أقساط الدين الخارجي المستحقة للعام المالي الجاري نحو 10.5 مليار دولار.
أما الديون المضمونة من قبل وزارة المالية فتبلغ نحو 20.4% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تستحوذ شركات الكهرباء على نحو 25% من تلك الديون.
ومن ناحية أخرى، إذا تمت الصفقة فسوف تكون رسالة قوية إيجابية للمستثمرين الأجانب حول العالم، باعتبارها إشارة واضحة لعودة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر مرة أخرى، مدعوما بمناخ الاستقرار السياسي والأمن وجهود متواصلة لخلق بيئة استثمار محفزة للاستثمار طويل الأجل.
إذاً الأمر لا يدعو للقلق، بل أنه خطوة جيدة نحو إدارة ملف الطاقة بأسلوب اقتصادي مرن.
بقلم: هاني أبوالفتوح
خبير مصرفي