تخلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، عن معركتها لتأمين صفقة للخروج من الاتحاد اﻷوروبى، وأعلنت استقالتها من منصبها، ما يمهد الطريق أمام تولى زعيم جديد لحزب المحافظين، وزيادة احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبى دون صفقة.
واعترفت «ماى»، بهزيمتها نتيجة تحدى تقديم صفقة للخروج؛ حيث قدمت ثلاث صفقات للخروج أمام مجلس العموم، ولكن خططها تم رفضها تماماً، ما أدى إلى تأخر مغادرة البلاد مرتين عن الموعد الأصلى فى 29 مارس الماضى.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنَّ الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن المملكة المتحدة المكان الأنسب لشركات الاستثمار المباشر، ولكن عدم اليقين السياسى بشأن علاقة البلاد مع دول الاتحاد الأوروبى فى المستقبل يدفعها للاقتراب من «نقطة الانهيار».
ومع ذلك، غادر بالفعل عدد من المديرين التنفيذيين، ويفكر آخرون فى الأمر بجدية، فى ظل الحوافز الضريبية المتاحة فى بعض الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال انتقل يوهانس هوث، المدير الأوروبى لشركة «كيه. كيه. أر» الأمريكية، إلى باريس عام 2017، حيث أصلحت فرنسا نظامها الضريبى آنذاك لجعل البلاد مواتية بشكل أكثر للأعمال التجارية.
وأوضحت «فاينانشيال تايمز»، أن «هوث» كان متشائماً بشأن آفاق الاستثمار فى المملكة المتحدة؛ بسبب الخروج، فى حين شعرت العديد من الشركات الأخرى بالتردد بشكل كبير فى عقد صفقات بالبلاد؛ نظراً إلى عدم اليقين، وبالتالى خفضت شركة «أناكاب فاينانشيال بارتنرز» تصنيف البلاد كوجهة استثمارية من أعلى مستوياتها عام 2017.
وذكرت الصحيفة، أن بعض الشركات تعمل انطلاقاً بما تعتبره أسوأ الافتراضات، أى الخروج دون صفقة، والتى يعتقد المحللون أنها ستؤدى إلى صعوبات فى التوظيف من أوروبا، كما أنه قد يؤدى، أيضاً، إلى انخفاض قيمة الجنيه الإسترلينى بشكل كبير مقابل الدولار واليورو.
وبالنسبة لشركات الاستثمار المباشر التى سيطرت على التمويلات الدولية خلال العقد السابق، أى منذ الأزمة المالية العالمية، كانت المملكة المتحدة تشكل ذات يوم جسراً مثالياً فى أوروبا، كما أنها كانت أفضل مكان لشراء وبيع الشركات وجذب المسئولين التنفيذيين من جميع أنحاء المنطقة.
وجاء الخروج ليغير شروط شراء حصص خاصة مباشرة فى الشركات الأوروبية، فقد أصبحت العديد من الشركات قلقة للغاية بشأن عقد صفقات فى المملكة المتحدة على المدى القصير على الأقل؛ نظراً إلى حالة عدم اليقين الواسعة النطاق حول المستقبل السياسى والاقتصادى للبلاد، وفى بعض الحالات كان المستثمرون فى صناديق الاستثمار يطالبون باستثمار ما لا يزيد على ثلث أموالهم فى المملكة المتحدة.
ويشعر المديرون التنفيذيون بالقلق، أيضاً، من أن المملكة المتحدة قد ينتهى بها الأمر إلى حكومة يسارية، بقيادة زعيم حزب العمال جيريمى كوربين، الذى دعا إلى زيادة ضريبة الشركات وزيادة ضريبة الدخل على أعلى الأفراد دخلاً والذى يمتلك، أيضاً، نهجاً أكثر تشككاً فى عقد صفقات الحصص الخاصة المباشرة.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن بعض مديرى الأموال سحبوا ثرواتهم بالفعل من المملكة المتحدة؛ خوفاً من انعقاد تلك الحكومة اليسارية العمالية المحتملة.
فى الوقت نفسه، شهدت بعض الدول الأوروبية، التى اتهمت شركات الاستثمار المباشر ذات يوم بتمثيل شكل من أشكال الرأسمالية الجشعة وغير المرحب بها، طفرة فى الصفقات، وبذلت جهداً لجذب الشركات والمديرين التنفيذيين من لندن.
وسواء كان الاتجاه قصير الأجل أم لا، كان لحالة عدم اليقين الناجمة عن الخروج تأثير مباشر بالفعل على الاستثمار فى شراء الحصص الخاصة بشكل مباشر فى الشركات.
ووفقاً للأرقام الصادرة عن هيئة «إنفست يورب» التجارية، ارتفعت الاستثمارات فى الفترة السابقة للتصويت بالخروج عام 2016، ولكنها انخفضت بعد ذلك إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2013، ومن ثم ارتفع النشاط فى عام 2017 لينخفض مرة أخرى العام الماضى.
وفى الوقت الذى ارتفعت فيه قيمة الصفقات المنعقدة فى أوروبا، فيما عدا المملكة المتحدة، بنسبة %13 لتصل إلى 63.9 مليار يورو العام الماضى، شهدت المملكة المتحدة انخفاضاً بنسبة %12 فى صفقاتها لتبلغ 16.7 مليار يورو خلال العام نفسه.
وأظهرت البيانات ازدهار النشاط فى الأسواق الصغيرة الآونة الأخيرة، فقد ارتفعت الاستثمارات بالحصص الخاصة فى إسبانيا بأكثر من الضعف من 2.3 مليار يورو عام 2015 إلى 6 مليار يورو العام الماضى، فى حين شهدت فرنسا ارتفاعاً من 11.5 مليار يورو إلى 16.2 مليار يورو، وهى قيمة منخفضة بشكل طفيف من المملكة المتحدة.
وفى الوقت الذى يؤجل فيه رؤساء الشركات، الاستثمارات الكبيرة فى المملكة المتحدة لحين اتضاح الأمور الخاصة بخروج البلاد، تشهد أماكن أخرى انعقاد صفقات كبرى.
فعلى سبيل المثال، شهدت أوروبا انعقاد أكبر 3 صفقات العام الماضى خارج المملكة المتحدة، بما فى ذلك شراء شركة الاستثمار المباشر اﻷمريكية «كارلايل» لشركة «أكزو نوبل» الهولندية العاملة فى أنشطة الكيماويات المتخصصة مقابل 10.1 مليار يورو.
وفى الوقت نفسه، كانت شركات الاستثمار المباشر الخاصة تعد شكلاً من أشكال الرأسمالية غير المرحب بها فى إسبانيا ذات يوم، ولكن صناديق الاستحواذ استطاعت للمرة الأولى إقناع مالكى الشركات هناك بأن الوقت قد حان للبيع، فعلى سبيل المثال تم بيع صانع النبيذ «كودورنيو» إلى شركة «كارليل»، ومقرها واشنطن، خلال العام الماضى.
وقال أحد مستشارى صناديق الأسهم الخاصة الكبيرة فى أوروبا، إنَّ إسبانيا تزداد فيها الصفقات بشدة الآن، ومع ذلك توجد مخاوف جديدة من تأثير إعادة انتخاب الحزب الاشتراكى سلباً على مستوى الاهتمام بالصفقات فى إسبانيا، على الأقل بالمدى القصير.
وشهدت فرنسا، ثانى أكبر سوق فى أوروبا لصفقات الأسهم الخاصة، نمواً قوياً فى صفقاتها رغم الاضطرابات الأخيرة.
وأشارت بيانات «إنفست يورب» إلى أن دول شمال أوروبا شهدت، أيضاً، ارتفاعاً قوياً فى نشاط الاستثمارات مقارنة بالمملكة المتحدة، فعلى سبيل المثال شهدت الدنمارك ارتفاعاً هائلاً من 1.8 مليار يورو عام 2015 إلى 3.1 مليار يورو العام الماضى، كما ارتفعت استثمارات السويد من 1.8 مليار يورو إلى 2.8 مليار يورو.
وكان العام الماضى، أيضاً، قياسياً بالنسبة للمستثمرين البريطانيين فى سوق الشمال، فقد اشترت مجموعة الأسهم الخاصة «سينفن»، ومقرها لندن، مجموعة «إنفيروتاينر» السويدية فى صفقة قيمتها مليار يورو، بينما قامت شركة «بريدج بوينت» بشراء شركة «إف سى جى» السويدية لخدمات إدارة المخاطر والامتثال، فى إشارة إلى الطريقة التى تنظر بها صناديق الاستحواذ البريطانية القائمة إلى ما هو أبعد من المملكة المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، انخفضت شهية المستثمرين، بما فى ذلك صناديق الثروة السيادية، بشكل كبير تجاه المملكة المتحدة، فقد أظهر تقرير صادر عن «آى إيه بيزنس سكول»، أنَّ بعضاً من أكبر صناديق الثروة السيادية استثمرت ما يصل إلى 1.8 مليار دولار فى المملكة المتحدة العام الماضى، مقارنة بـ21 مليار دولار عام 2017.