كلمة استراتيجية هى كلمة عسكرية الأصل، تعنى حصر الإمكانيات، ووضع الخطط بهدف الوصول إلى الأهداف المستقبلية، فيكمن فى داخلها الإصرار والعزيمة والتغلب على الصعاب بهدف النصر.
فبدون الاستراتيجية لن يتحقق الوصول إلى الأهداف المستقبلية المنشودة.
ويحزننى أن تلك الكلمة أصبحت الآن خاوية من المضمون لدى البعض، فيتم تداولها من بعض الجهات وكأنها على أرض الواقع، وحينما تبحث عنها لا تجد لها أثراً يذكر أو دليلاً يمكننا من تتبع خطواتها.
فإذا ما استعنت بمثال فى ذلك الشأن، فسأتحدث عن تنمية الصادرات؛ حيث تم إطلاق أول استراتيجية لتنمية الصادرات فى مصر عام 2001، وتميزت تلك الاستراتيجية بتحديدها للقطاعات المستهدف تنميتها خلال المرحلة الأولى، وهى السنوات الثلاث التالية لإطلاقها، وكذلك تحديدها للقطاعات التصديرية المستهدف تنميتها خلال المرحلة الثانية، كما تميزت بمتابعتها للخطوات التى تم اتخاذها والأرقام التى تم الوصول إليها، تلى تلك الاستراتيجية، إطلاق استراتيجية ثانية لتنمية الصادرات الصناعية عام 2005، وكانت أكثر نضجاً، لتحدد تفصيلاً القطاعات والأسواق المستهدفة والأرقام التى نسعى إلى الوصول إليها، ولم تترك الأداء دون ضابط أو رابط، فكان هناك تقارير شهرية تقيس سرعة الإنجاز فى كل قطاع نسعى لتنميته أو سوق نستهدف الوصول إليه، وبنهاية العام يتم تقييم الإنجاز، ومنذ عام 2011 بدأ التخبط فى أداء الصادرات الصناعية المصرية، نعم قد يكون لدينا استراتيجية لمضاعفة الصادرات، لكن أين أرقامها المستهدفة؟ وأين الاستراتيجيات القطاعية المعلنة وأرقامها المستهدفة بشكل يمكننا من متابعة أدائها؟
على جانب آخر، من الطبيعى حينما ترغب فى التعرف على التوجهات التنموية لقطاع معين فإنك ستذهب إلى الموقع الإلكترونى الخاص بتلك الجهة لتتصفح استراتيجية التنمية الخاصة به، والتقارير الدورية لمتابعة أدائها «وصلنا لإيه، وناوين نوصل لإيه»، والتى من خلالها يتم توضيح القطاعات التصديرية المستهدفة، والوضع الراهن وفقاً للأرقام الحالية، والأرقام السنوية المستهدف الوصول إليها وفقاً لكل قطاع، فنشر تقارير متابعة أداء استراتيجية تنمية الصادرات بصورة دورية شهرية يجب أن يتصدر الموقع الإلكترونى، بهدف التعرف على ما تم إنجازه مقارنةً بما هو مستهدف الوصول إليه قطاعياً وجغرافياً، فتلك التقارير متعارف عليها دولياً، ولا تقع فى نطاق الأسرار الحربية، كما تعتبرها بعض الجهات الآن، فتلك هى أبسط قواعد الشفافية والحوكمة.
فكلما كانت الوزارة المعنية بالصادرات واضحة فى تحديد القطاعات التصديرية المستهدفة، واضحة فى خطواتها التنموية الحالية ومحددة فى خطواتها المستقبلية المستهدفة لكل قطاع تصديرى، والمزايا التى سيتم منحها إلى تلك القطاعات، انعكس ذلك على معدلات الاستثمار وساعد على جذب المزيد منها إلى تلك القطاعات، فبهذا التحديد والوضوح تعطى الوزارة رسائل واضحة إلى جموع المستثمرين إلى أن الدولة ستركز على تنمية تلك القطاعات.
جميل أن نرى الموقع الإلكترونى للجهة وهو ملىء بالأخبار واللقاءات، ولكن الأجمل أن نرى إنجازاً حقيقياً على أرض الواقع مدعماً بأرقام وحقائق من خلال تقارير دورية تعكس الإنجاز فى الأداء والمستهدف الوصول إليه مسبقاً من خلال أرقام الاستراتيجية.
نتحدث بصفة تكاد تكون يومية عن جهود تنمية الصادرات، ونحصرها فى برنامج رد الأعباء، وكأننا نلقى بكرة تنمية الصادرات فى ملعب الموازنة العامة للدولة، دون النظر إلى باقى أدوات التنمية التى يمكن استخدامها، والتى سبقتنا لها دول كثيرة.
نحتاج أن نوثق ما نتحدث عنه من أهداف تنموية للصادرات بملفات وتقارير توضيحية للقطاعات المستهدفة رقمياً على أن نوضح من خلالها الأرقام الحالية والمستهدف الوصول إليها وفقاً لكل قطاع، فلغة الأرقام لا يمكن أن نختلف حولها، وهو الأمر الذى سيتيح المتابعة، فالإعلان عن جداول الاستراتيجية القطاعية المستهدفة والمدعمة بالأرقام وكذلك نشر تقارير متابعة أداء التجارة الخارجية فى إطار تلك الاستراتيجية بصفة عامة والصادرات القطاعية بصفة خاصة حتماً ستعكس المصداقية، وتحقق الشفافية، لتبعدنا عن دائرة البروباجندا الاستراتيجية التى قد يلجأ إليها البعض.
بقلم: د. شيماء سراج عمارة خبير اقتصادى