ليس من الصعب عادة تحديد موعد بدء الحرب، فهو أمر يدرك بمجرد عبور دولة ما حدود دولة أخرى بالجنود والدبابات والطائرات.
ولكن حروب العملة عكس ذلك تماماً، فهى أكثر صعوبة فى التحديد، ويرجع ذلك جزئياً لصعوبة تحديد ما هى عليه.
ويجب وضع هذا اﻷمر فى الاعتبار عند تقييم ادعاءات الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب ضد البنوك المركزية فى أوروبا وآسيا، كتلك التى وجهها عبر تغريدة 18 يونيو الحالى التى كان نصها: «ماريو دراجى أعلن إمكانية اتخاذ مزيد من الإجراءات التحفيزية، ما أدى لانخفاض اليورو أمام الدولار، وهو ما يسهل لمنطقة اليورو منافسة الولايات المتحدة بصورة غير عادلة».
وذكرت مجلة «بلومبرج بيزنس ويك» اﻷمريكية، أن ترامب على حق لسببين، وهما انخفاض اليورو بالفعل أمام الدولار إلى 1.12 دولار، مقارنة بـ 1.16 دولار قبل عام، بعد إعلان رئيس البنك المركزى اﻷوروبى المنتهية ولايته، دراجى، الحاجة لحوافز إضافية إذا لم تتحسن التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو.
أما السبب الثانى، فهو إمكانية تعزيز العملة الأرخص لاقتصاد منطقة اليورو من خلال جعل صادرات المنطقة ذات ثمن أرخص فى الخارج، فى حين تصبح الواردات من الولايات المتحدة ومناطق أخرى أكثر تكلفة.
ومع ذلك، لا يتفق العديد من الاقتصاديين مع ترامب فى فكرة خطأ «دراجى»، بل إنهم يعتقدون بإمكانية خفض البنك المركزى الأوروبى أسعار الفائدة الهادفة لخفض تكاليف الاقتراض بالنسبة للمستهلكين والشركات، وبالتالى تحفيز النمو الاقتصادى المحلى.
وبالطبع، قد يؤدى تخفيض أسعار الفائدة إلى خفض اليورو، ما يزيد من التحفيزات المطلوبة.. ولكن هذا اﻷمر مجرد أثر جانبى وليس هدفاً.
ويمكن القول إن انخفاض قيمة اليورو تمكن من زيادة مستوى العجز التجارى الأمريكى بشكل يكفى لإبطاء الاقتصاد الأمريكى، ويمكن للبنك الاحتياطى الفيدرالى الرد بخفض أسعار الفائدة لإنعاش النمو الاقتصادى، وبالتالى إمكانية خفض قيمة الدولار وإعادته لمستواه السابق أمام اليورو. ولكن كما هو الحال بالنسبة لليورو، سيكون انخفاض قيمة الدولار الأمريكى مجرد أثر جانبى لانخفاض أسعار الفائدة، وليس هدفاً أساسياً للاحتياطى الفيدرالى.
وذكرت المجلة، أن حجة ترامب بأن الصين تتلاعب بعملتها أضعف من حجته ضد أوروبا، فبعيداً عن انخفاض قيمة اليوان يتصدى بنك الشعب الصينى للقوى السوقية من أجل إبطاء انخفاض العملة.
حافظت الصين على معدل الإقراض القياسى لمدة عام عند مستوى %4.35، لتبقى على وضعها منذ أكتوبر 2015، كما أن حيازاتها من الاحتياطيات الأجنبية لم ترتفع بشكل ملحوظ، كما لو كانت الصين تحاول خفض اليوان عبر بيعه وشراء العملات الأخرى.
وقال براد سيتسر، زميل بارز فى مجلس العلاقات الخارجية، إن الأدلة المتوفرة تشير إلى محاولات الصين تجنب حرب العملة.
وفى الوقت نفسه، قال مارك تشاندلر، كبير استراتيجيى السوق فى «بانوكبرن جلوبال فوركس» فى نيويورك، إن الزعماء الصينيين لا يريدون أن يكون سعر صرف العملة ضعيفاً، حتى لو كان ذلك يمنح بلادهم دفعة اقتصادية على المدى القصير.
وكتب «تشاندلر»، فى مذكرة صدرت فى 18 يونيو الحالى، أن الأهداف طويلة الأجل للصين تتمثل فى دفع سلسلة القيمة المضافة وتشجيع الصينيين على العمل بذكاء وليس بجهد، أما الأسعار التنافسية الناشئة عبر انخفاض اليوان قد تبقى الصين عالقة فى ماضيها ذى التكنولوجيا المتدنية.
يبدو أن «ترامب» يوجه أصابع الاتهام فى الاتجاه الخاطئ، ولكن بما أن الرئيس الأمريكى يبدو وكأنه يملك رؤية موسعة لما يعد ممارسات تجارية غير عادلة، فمن المرجح استمرار تغريداته ضد أوروبا والصين وغيرهما.