بقلم: ميهير شارما، كاتب مقالات رأي لدى وكالة أنباء بلومبرج
قبل بضعة أيام، أبدى رئيس الوزراء ناريندرا مودي، في مناقشة مع مجموعة من رؤساء وزراء ولايات الهند المختلفة، رغبته في تعزيز قيمة اقتصاد الهند لتصبح 5 تريليونات دولار بحلول عام 2024 عندما يعاد انتخابه مرة أخرى، موضحا أنه تحدي.. ولكنه قابل للتحقيق.
لا يمكن اتهام “مودي” أبدا بالافتقار للشغف، ولكن الحقيقة هي أن فكرة وصول الناتج المحلي الإجمالي للهند إلى 5 تريليونات دولار خلال خمسة أعوام، ستكون أكثر صعوبة بكثير مما يمكن تحقيقه.
وحتى يصل اقتصاد الهند، الذي تبلغ قيمته الحالية 2.8 تريليون دولار، إلى القيمة المستهدفة بحلول عام 2024، سيحتاج إلى تسجيل نمو أسمي بالدولار اﻷمريكي تزيد نسبته عن 12% سنويا، مع العلم أن اقتصاد الهند نما بمعدل نمو حقيقي أبطأ من 6% في الربع السنوي اﻷخير الذي تتوفر بياناته الاقتصادية.
ويجب أن تتطلع الهند لتسجيل نمو اقتصادي مزدوج الرقم.
فدون النمو المستدام في هذه المرحلة سيكون أمل الهند ضئيلا في توظيف المليون شاب الذين ينضمون لقواها العاملة شهريا.
وإذا لم تستفد الهند من التركيبة السكانية الحالية المواتية، فمن غير المرجح أن تظهر كاقتصاد ذات دخل متوسط أعلى مع طبقة متوسطة مزدهرة.
ولم يتم تحديد الشروط المسبقة لنوع النمو الذي حول ثروات النمور الآسيوية ثم الصين بعد. فالأسواق الداعمة للأرض والعمالة ليس لها وجود بكل بساطة.
وفي الوقت نفسه، تعد إمدادات الطاقة والبنية التحتية أفضل بكثير مما كانت عليه، ولكنها لا تزال غير مستوفية للمعايير المطلوبة لبناء قطاع تصنيع من الطراز العالمي.
ورغم أن الحكومات المتعاقبة أظهرت اهتماما تجاه الحاجة إلى تعليم الشباب الهنود وتزويدهم بالمهارات المهنية اللازمة لتحقيق النجاح في الاقتصاد الحديث، إلا أن نتائج محاولاتها المختلفة كانت مخيبة للآمال تماما.
وإذا قدمت الهند القليل للغاية- أي أنماط العمل المعتاد- فبإمكانها الاستمرار في النمو، وسيكون النمو معتدلا وفقا للمعايير الهندية، إذا كان المتشككون على حق، ولكن إذا نما اقتصاد الهند بنحو 6% سنويا، فإن قيمته لن تصل إلى 5 تريليون دولار قبل عقد من الآن، وهي مدة أطول بكثير مما يريد مودي.
وستكون الهند أيضا اقتصادا وبلدا مختلفا تماما عن أي اقتصاد آخر بهذا الحجم، إذ يمكن لها أن تتسم بحالة كبيرة من عدم التكافؤ في النمو في عام 2029- إذا كان اقتصادها لا يزال ينمو بنسبة 6%- ليس فقط من حيث الدخل الشخصي والثروة، ولكن بين المناطق أيضا.
فربما تتمتع بعض المناطق، مثل شبه الجزيرة الجنوبية والعاصمة دلهي والمناطق الساحلية لولايتي غوجارات وماهاراشترا، بوضع جيد وقد تصبح من فئة المناطق متوسطة الدخل بحلول ذلك الوقت، أما المناطق النائية الشاسعة في الهند، والتي ترتفع فيها الكثافة السكانية أيضا، ستبقى فقيرة.
وحتى اليوم، تبدو اﻷوضاع في بعض مناطق الهند مشابهة لأوضاع جنوب شرق آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وربما يتسبب هذا الافتقار للتكافؤ بين المناطق في غياب النمو مزدوج الرقم، كما أن القوى الطاردة المركزية الكبرى التي تظهر بالفعل في السياسة الهندية ربما تزعزع الاستقرار بشدة.
بالإضافة إلى ذلك، لن تنتمي الهند لنوع الدول المرتبطة عموما بالاقتصادات الكبيرة والديناميكية، فهي لا تعاني في الوقت الراهن من نقص الموارد والطاقة، كما أنها جُهزت لتصبح اقتصاد زراعي بشكل أكبر مما هو عليه في الإنتاج العالمي أو التصنيع المتطور.
ومع ذلك، تكافح الهند من أجل تنفيذ مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق أو لتنظيم القطاعات المعقدة بشكل مستقل وعلى نحو يتسم بالشفافية.
كما أنها لا تمتلك المال اللازم إنفاقه على قطاع الدفاع بشكل يتماشى مع التوقعات العالية للهنود أو العالم.
ولكن كيف يمكن للعالم التعامل مع هذا البلد الذي يتمتع بحجم وتطلعات القوى العظمى، ولكن سياستها وقدراتها ظلت دون تغيير نسبيا؟ وماذا سيحدث عندما تصبح الهند واحدة من أكبر ثلاثة أو أربعة اقتصادات على مستوى العالم من حيث القيمة الدولارية، مع احتفاظها بسلوك ومتطلبات بلد نام؟
لن يكون اﻷمر سهلا، خاصة أن الدول اﻷخرى، انتقلت، بطريقة أو بأخرى، من وضع الدول النامية.
كان بقية العالم يأمل في تحقيق “مودي” لطموحات النمو الاقتصادي المرتفع، فهذا يعني تنفيذ الهند للإصلاحات الداخلية الحاسمة التي ستتيح لها أن تكون لاعبا دوليا مثمرا وتولى أدوار قيادية التي يأمل الكثيرين حول العالم قيامها بها، ولكن فرص حدوث ذلك في الوقت الراهن منخفضة بشكل محزن.
كتبت: منى عوض
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج