البنوك المركزية ليست المؤسسات الأفضل للتعامل مع التهديدات الاقتصادية الحالية
شركات التصنيع اﻷلمانية تمر بأسوأ مناخ تجاري منذ 9 أعوام
مع مضي كل أسبوع، تزداد الأدلة التي تفيد أن المتشائمين كانوا على حق فيما يخص الزخم الحالي للاقتصاد العالمي.
قالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في مقال افتتاحي، إن تهديدات الاضطراب المطول للتجارة الدولية الناتج عن الحرب التجارية، والذي يأتي على قمة الانتعاش ، بدأت تظهر معها علامات تباطؤ بالفعل، مما أعاد صناع السياسة لوضع التأهب مرة أخرى.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، دق البنك المركزي الأوروبي ناقوس الخطر.
فالأخبار الاقتصادية الصادرة عن منطقة اليورو، في الفترة السابقة لانعقاد اجتماع السياسات النقدية للبنك، كانت سيئة لدرجة أنها تشير إلى إمكانية الدخول في كارثة.
فعلى سبيل المثال، أبلغت شركات التصنيع اﻷلمانية، قبل بضع ساعات من اجتماع البنك المركزي اﻷوروبي، عن مرورها بأسوأ مناخ تجاري منذ تسعة أعوام في يوليو الحالي. وحتى قبل هذه الأخبار، كانت عائدات السندات في منطقة اليورو قريبة من أو عند أدنى مستوياتها على الإطلاق.
واستجاب ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي الذي سيغادر منصبه نهاية العام الحالي، بسرعة وحكمة لأي إشارة تدل على مرور المنطقة بتباطؤ خطير خلال فترة ولايته. لذا حدد البنك المركزي، في اجتماعه الذي عقد الخميس الماضي، مجموعة من التدابير التحفيزية لاجتماع مجلس الإدارة المقبل في سبتمبر ، بما في ذلك استئناف شراء الأصول، والبحث عن سبل تعزيز توجيهاته المستقبلية بشأن الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة.
وعند شرح هذا القرار، سلط “دراجي”، الضوء على تهديدات الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية، فضلا عن تهديدات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد الصيني.. لذا يبدو أنه كان محقا في قرارته.
ومن المقرر أن يتبع البنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يتوقع خفضه أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، النهج نفسه الذي ستدعمه الإحصاءات الاقتصادية الأخيرة.
فالإحصائيات أظهرت تباطؤ الاقتصاد الأمريكي إلى 2.1% في الربع الثاني من العام الحالي.
وأوضحت الصحيفة أن البنك المركزي الأوروبي سيناضل لإيجاد العديد من الطرق الإبداعية لتخفيف تأثير السياسة، بالنظر إلى موقفه الحالي، مشيرة إلى أن الأسواق المالية لم تتأثر بشكل كبير بالوعود التي أطلقها “دراجي” نهاية اﻷسبوع الماضي، إذ ارتفع اليورو بحدة مرة أخرى بعد انخفاضه في البداية، في ظل توقعات السياسات المالية الفضفاضة.
وبدلا من ترك الأمر إلى محافظي البنوك المركزية، سيكون أكثر فعالية بكثير أن تقوم الحكومات نفسها بخفض مستويات التهديدات التي تواجه التجارة والنمو الاقتصادي، عن طريق التراجع عن الإجراءات الحمائية.
فعلى سبيل المثال، إذا ساعدت علامات الوفاق التي أبداها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من جديد، مع الصين، في إلغاء الحرب التجارية، فسيؤدي ذلك إلى رفع مستوى التجارة العالمية بشكل أكثر مما تفعله السياسات النقدية.
ومع ذلك، لا تستطيع البنوك المركزية تحمل الانتظار وترك الأمر للآخرين، خصوصا أن انخفاض الثقة في الشركات المصنعة تسبب في تراجع النمو ككل.
كما أن انخفاض عائدات السندات وتوقعات التضخم تعني استمرارية وجود حجة قوية لارتكاب اﻷخطاء فيما يتعلق باستمرار تيسير السياسة النقدية.
وفي الأشهر المقبلة، قد تواجه منطقة اليورو صدمتين تجاريتين محتملتين، أولهما مغادرة المملكة المتحدة بقيادة حكومة بوريس جونسون الجديدة، للاتحاد اﻷوروبي، وذلك بحلول نهاية أكتوبر المقبل دون عقد اتفاق خروج رسمي إذا لزم الأمر.. وبالتالي ستخضع استعدادات باقي الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي للخروج دون اتفاق، لاختبارات تحمل غير مرحب بها على الإطلاق.
أما الصدمة الثانية فتتمثل في الموعد النهائي- المقرر في نوفمبر المقبل- لاتخاذ الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب، قرارا بشأن احتمالية فرض أو عدم فرض رسوم جمركية على واردات الاتحاد اﻷوروبي من السيارات في ظل الأسباب الأمنية المزعومة، فقد أجل الرئيس اﻷمريكي هذا القرار من قبل، ولكنه قد لا يفعل ذلك مرة أخرى.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز”، أن هذه اﻷعمال لا ينبغي أن تشكل أمرا كارثيا، ولكن في بيئة مكونة من الحكومات الشعبية وارتفاع مستوى الحمائية والتوترات الجيوسياسية، يمكن أن تؤثر هذه اﻷمور على ثقة الشركات والمستهلكين.
وأشارت إلى أن البنوك المركزية ليست المؤسسات الأفضل للتعامل مع التهديدات الحالية التي يواجهها الاقتصاد العالمي، و لكنها تأتي ضمن القلة القليلة المستعدة على ما يبدو للعمل واتخاذ رد فعل.