إذا ما تحدثنا عن التنمية، فسنؤكد أنه لا تنمية دون استثمار، فالاستثمار هو وسيلة جذب الأموال المنفذة للمشروعات، لتتنوع المشروعات ما بين مشروعات عامة يستفيد منها الجميع، كالطرق والكبارى ومياه الشرب والصرف، والأبنية التعليمية والخدمات الصحية، وأخرى مشروعات إنتاجية متمثلة فى المصانع الإنتاجية بجميع القطاعات.
فكلما ارتفعت قيمة الاستثمارات المنفذة، فحتما ستستجيب معدلات التنمية الاقتصادية، لترتفع مؤشراتها، وتتحسن جميع المؤشرات خاصةً معدلات البطالة؛ نتيجة توفير المزيد من فرص العمل الناتجة عن تنفيذ تلك المشروعات، وكنتيجة لتزايد المعروض من السلع المنتجة محلياً، فستستجيب معدلات التضخم بالانخفاض، لينعكس مردود ذلك على الأحوال المعيشية للمواطنين، فقد وجدوا فرص عمل، ومصدراً للدخل، بالإضافة إلى انخفاض وتيرة الزيادة فى الأسعار، وذلك بسبب التوسع فى تنفيذ المشروعات.
وأؤكد على كلمة تنفيذ المشروعات، فالعبرة بالتنفيذ الفعلى، والضخ المتزايد للأموال فى شرايين الاقتصاد، فكلما ارتفعت قيم ومعدلات الاستثمار المنفذ فى الاقتصاد، تحسنت الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم المؤشرات الاقتصادية.
لذا تتصارع الدول التى تبحث عن بلوغ هدف التنمية فى جذب المزيد من الاستثمارات، لتتبارى فى جذبها، لينعكس ذلك على الارتفاع المتزايد فى معدلات تنمية جذب الاستثمارات، فلا مجال أمام تلك الدول لخفض معدلات جذب الاستثمار، فتلك الدول تعلم جيداً أن أى تناقص من شأنه أن يبطئ من وتيرة وصولها إلى الهدف المنشود، وهو تحقق التنمية، ومن ثم تأخر جنى ثمارها، وهو الأمر الذى يثقل كاهل مواطنيها بمزيد من الأعباء الاقتصادية.
وإذا ما تطرقنا إلى وضع الاستثمار العالمى وفقاً لتقرير الأنكتاد 2019، فسنلاحظ التالى، أن الاستثمار الأجنبى المباشر قد انخفض عالمياً بمعدل -13% ليصل إلى 1.3 تريليون دولار فى مختلف أرجاء العالم، لتحقق الدول المتقدمة أقل معدل نمو سلبى يصل إلى -27% عام 2018، مقارنة بعام 2017، فكل من بريطانيا والولايات المتحدة حققتا أكبر الخسائر فى فقدان الاستثمار الأجنبى، بمعنى أنهما قد جذبتا استثمارات ولكن بقيم أقل من الأعوام السابقة، وبالتالى خسائر فى معدلات نمو جذب الاستثمار.
وعلى صعيد الدول النامية، نجد أنها حافظت على معدلات نموها المتزنة فى جذب الاستثمارات، ليصل معدل النمو إلى 2%، لتجذب الاستثمارات المتسربة من الدول المتقدمة، وتستحوذ على النسبة الأكبر من حجم الاستثمار العالمى بنصيب 54%.
وإذا ما نظرنا بدرجة أكبر إلى مؤشرات تدفق الاستثمارات وفقاً للتوزيعات فى القارات المختلفة، فستتربع القارة الأفريقية على عرش جذب الاستثمارات، لتحقق أعلى معدل نمو لجذب الاستثمارات يصل إلى حوالى 11%، لتصل قيمة الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى القارة الأفريقية حوالى 46 مليار دولار، تليها أمريكا اللاتينية بمعدل نمو بلغ نحو 6%، ثم آسيا بمعدل نمو بلغ نحو 4%.
وإذا ما نظرنا للوضع فى مصر، فسنلاحظ أننا ما زلنا نتربع على قمة القارة السمراء فى جذب الاستثمارات لتصل قيمتها إلى حوالى 6.8 مليار دولار عام 2018، وهو أمر أسعدنى، لكن يؤسفنى أن أقول إن تلك القيمة هى قيمة متناقصة مقارنة بعام 2017 الذى بلغت فيه قيمة الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى مصر حوالى 7.4 مليار دولار، وكذلك عام 2017 فقد حقق معدل نمو سلبياً؛ حيث كانت الاستثمارات القادمة إلى مصر عام 2016 حوالى 8.1 مليار دولار، وبالتالى معدل نمو جذب الاستثمارات إلى مصر هو معدل نمو سلبى طيلة العامين السابقين، وهو ما يسير فى الاتجاه المضاد لقوة القارة السمراء على جذب الاستثمارات، ولا يتحمله طموح المواطن المصرى.
فهناك فرص لجذب الاستثمارات وذلك إذا ما نظرنا إلى حجم الاستثمارات المتدفقة إلى القارة الأفريقية، وما حققته دول أخرى، ولتكن جنوب أفريقيا، فقد نجحت فى تحقيق معدل نمو خيالى فى جذب الاستثمارات فاقت نسبته 165% عام 2018 مقارنة بعام 2017 لتحقق استثمارات متدفقة تقدر بنحو 5.3 مليار دولار، فإذا ما سارت على ذات النهج، فستكون المستحوذ الأول وربما الأوحد بعد سنوات على الاستثمارات المتدفقة إلى القارة الأفريقية، يليها المغرب الشقيق الذى نجح فى تحقيق معدل نمو بلغ نحو 35.5% فى جذب الاستثمارات.
وعلى صعيد آخر، نلاحظ تزايد التدفق الاستثمارى إلى المشروعات الخضراء أو المشروعات التى تراعى الأبعاد البيئية ومن ثم تركز على تحقيق مفهوم التنمية المستدامة، ليرتفع معدل نموها بحوالى 35%، بالإضافة إلى التوسع فى إنشاء المناطق الاقتصادية المتخصصة ليصل عددها إلى حوالى 5400 منطقة متخصصة منتشرة فى 147 دولة، بعد أن كانت منذ خمس سنوات فقط 4000 منطقة، لتكون الوسيلة المضمونة لجذب مزيد من الاستثمارات.
لذا علينا أن ندرس تجارب تلك الدول لعلنا نستفيد، على ألا نطيل فترات الدراسة، فالأموال الباحثة عن المكاسب لا تنتظر التراخى، والتباطؤ، وكذلك المواطن..
د. شيماء سراج عمارة
خبير اقتصادى [email protected]