تنتظر مصانع إنتاج الحديد «الدورة المتكاملة» حسم قضية استمرار الرسوم الحمائية على واردات البيليت وحديد التسليح لصالحها والتى تنظرها المحكمة الإدارية العليا الاحد المقبل، بعد حكم القضاء الإدارى بإلغاء قرار وزير الصناعة الخاص بفرض رسوم على واردات البيليت.
رصدت «البورصة» آراء مجموعة من مصانع الدورة المُتكاملة بشأن أزمة رسوم إغراق البيليت، والتى قدمت مستندات تدعم موقفها، وتُفيد بعدم تضرر مصانع الدرفلة من القرار وأنها مستمرة فى الإنتاج على خلاف ما قدم للقضاء الإدارى.
واتهمت مصانع إنتاج الحديد الدورة المتكاملة مثيلتها من مصانع «الدرفلة» بتزييف الحقائق أمام محكمة القضاء الإدارى، واعتبرت أن القرار يحمى مصانع تُقدم أكثر من %80 قيمة مُضافة على الخامات بعكس الدرفلة التى لا تُقدم أكثر من %10 فقط قيمة مُضافة.
تدور الأزمة، حالياً، بين مُطالب بالرسوم «مصانع الدورة المتكاملة»، ومؤيد لها «وزارة الصناعة»، وبين رافض «مصانع الدرفلة» و«القضاء الإدارى»، وينتظر السوق رأى المحكمة الإدارية العُليا، والتى تلقت دعوى من هيئة قضايا الدولة، والمصانع الكبيرة بإلغاء الرسوم من قبل القضاء الإدارى مطلع يوليو الحالى.
وتواصلت «البورصة» مع المسئولين فى مصانع الدورة المتكاملة الكبرى (عز، السويس، والمصريين)، ولكنها فضلت عدم الظهور عبر حوارات صحفية، واكتفت بتقديم المستندات التى تدعم موقفهم وتدين الطرف الاخر.
وتحدثت «البورصة» مع بعض المصادر داخل المصانع المتكاملة والتى طلبت عدم ذكر أسمائها فى الوقت الحالى، وطالبت المصادر بضرورة التفرقة بين صناعة الصلب وعمليات الدرفلة؛ حيث اعتبر أن الأولى مُتكاملة المراحل، والثانية مجرد مرحلة تشكيل للمعادن فقط.
وقال مصدر فى أحد مصانع الدورة المتكاملة، إن التعريف العالمى لصناعة الصلب، بإنتاج جميع مراحل إنتاج الصلب من خامات تصنيع وحتى المنتج النهائى، فى حين تكون الدرفلة هى المرحلة الأخيرة يستطيع أى مصنع تنفيذها.
أضاف: «صناعة حديد التسليح، فى المصانع المُتكاملة تمر بـ4 مراحل، الأولى صناعة الحديد المُختزل، من خلال استيراد مُكورات صلب حمراء خام، ثم يتحول إلى صلب نقى، ومن ثم إلى حديد مُختزل، والمرحلة الثانية هى صهر الصلب، ومن ثم تحويل الحديد المختزل إلى صلب سائل، والمرحلة الثالثة تحويل الصلب السائل إلى بيليت، وتأتى المرحلة الأخيرة وهى الدرفلة، عبر تحويل البيليت إلى حديد تسليح».
أوضح أن صناعة الدرفلة ليست صناعة للصلب بالمعنى المفهوم، لكنها صناعة تشكيل وتشغيل، والبيليت يُطلق عليه مُنتج شبه مُصنع، والقيمة المضافة لمرحلة الدرفلة لا تتعدى %10 من العملية التصنيعية بالكامل.
قدَّر المصدر إجمالى العمالة فى صناعة حديد التسليح، بنحو 30.337 ألف عامل، منهم 26.222 ألف عامل فى المصانع المتكاملة وشبه المتكاملة، والتى تبدأ من صهر الخردة، كمصانع المصريين والمراكبى للصلب، أما مصانع القطاع العام فتضم 8706 عمال، فى حين لا تتخطى أعداد العمالة فى مصانع الدرفلة أكثر من 4115 عاملاً.
أوضح أن الطاقات الإنتاجية المُتاحة بالفعل للمصانع المُتكاملة، وشبه المتكاملة تصل إلى 10.670 مليون طن سنوياً، تُمثل %80 من إجمالى طاقات الإنتاج لحديد التسليح فى مصر.
على الناحية الأخرى، تُقدر الطاقات الإنتاجية لمصانع الدرفلة وعددها 22 مصنعاً بنحو 2.74 مليون طن سنوياً، ويعمل فى قطاع الصلب المسطح، مصنعان بإجمالى طاقات إنتاجية تبلغ نحو 2.8 مليون طن سنوياً.
قدَّر المصدر، التكلفة الاستثمارية لمصانع الدورة المتكاملة بنحو 785 مليون دولار للمصنع الواحد، تضم مصنع حديد مُختزل باستثمارات 600 مليون دولار، ومصنع صهر ومصنع درفلة، بجانب محطة الكهرباء والخدمات المساعدة، بعكس مصانع الدرفلة التى لا تزيد استثماراتها فوق 4 ملايين دولار للواحد.
وصف مصدر ثانٍ، فى مصانع الدورة المتكاملة كل ما سبق بأنها أسباب دعت مصانع الدورة المُتكاملة لتوفيق أوضاع الصناعة، والمُطالبة بفرض رسوم إغراق على واردات البيليت، وأيضاً دعتها لتقديم طعون على إلغاء القرار من قبل القضاء الإدارى منتصف يوليو الحالى، والتى صدرت لصالح مصانع الدرفلة.
ولجأت مصانع الدورة المتكاملة إلى هيئة الرقابة الإدارية لفتح التحقيق فى زيف المستندات التى قدمها صُناع الدرفلة إلى محكمة القضاء الإدارى، والتى استعانت بها فى حُكمها يوم 4 يوليو الحالى؛ حيث ألغت الرسوم المؤقتة بنسب تتراوح بين 3 و%15 على واردات البيليت.
اتهم المصدر، مصانع «الدرفلة»، بالترويج لمعلومات مغلوطة حول توقف إمدادات الغاز لمصانعها؛ لعدم قدرتها على دفع مستحقاتها المالية لشركة غاز مصر عقب قرار وزارة التجارة والصناعة فرض رسوم على واردات البيليت منتصف أبريل الماضى، ما جعل المصانع الكبيرة تستشكل على قرار الإلغاء، وهو ما رفضته «القضاء الإدارى» كذلك.
أضاف المصدر، أن المصانع المُتكاملة طعنت على قرار القضاء الإدارى أمام المحكمة الإدارية العليا، وأوضحت فى مُستندات رسمية صادرة عن وزارة «التموين» عدم توقف توريد الغاز الطبيعى للمصانع، وأن إجراء فصل الغاز يتم وفقاً لطلب العميل.
وفقاً للمستندات، اطلعت عليها «البورصة»، قدمت شركة «عنتر ستيل» فى 3 يونيو الماضى طلباً كتابياً إلى شركة الغاز لوقف التوريد، وقدمت شركة «المنوفية للصلب» الطلب نفسه فى اليوم التالى.
بحسب المُستند، تمت إعادة ضخ الغاز بناء على طلب الشركتين، فى 5 يونيو لـ«المنوفية للصلب»، أى بعد 24 ساعة من طلب وقف التوريد، وفى 6 يونيو لشركة «عنتر ستيل»، أى بعد يومين فقط من الوقف.
أضافت مصادر حكومية، أن شركات «الدرفلة» روجت لمعلومات مغلوطة حول توقفها عن الإنتاج، لتضررها من قرارات إغراق الخامات، رغم أنها كانت تعمل بصورة طبيعية، فقد بلغ إنتاج شركة «عنتر ستيل» فى مايو الماضى 5300 طن، بمبيعات 5063 طناً، وبلغ إنتاج يونيو 4650 طناً بمبيعات 4623 طناً.
أوضحت المستندات، أن إنتاج شركة إيستار للصناعة المعروفة باسم «العشرى للصلب»، بلغ فى 243 طناً، فى حين بلغت المبيعات من الشهر نفسه 3620 طناً، وفى يونيو بلغ الإنتاج 7079 طناً، بمبيعات 2545 طناً.
بلغت أيضاً إنتاجية «الجيوشى للصلب» فى مايو 10.338 ألف طن بمبيعات 9568 طناً، وفى يوينو 6966 طناً، بمبيعات بلغت 7475 طناً.
بيّنت المستندات الصادرة عن وزارة التموين، أن إجمالى إنتاج شركة «ميتاد حلوان» فى شهر مايو الماضى بلغ 10.384 ألف طن بمبيعات بلغت 10.384 ألف طن، وبلغت فى شهر يونيو 6620 طناً، بمبيعات 8640 طناً.
بلغت إنتاجية «ميدى ستيل» فى مايو الماضى نحو 2220 طناً بمبيعات 2568 طناً، وفى يونيو أنتجت 529 طناً، بمبيعات 1696 طناً، وبلغ إنتاج «سرحان للصلب» فى مايو 5472 طناً بمبيعات 6193 طناً، وأنتجت فى يونيو 6898 طناً، بمبيعات 6095 طناً.
نوهت المستندات بمبيعات شركات الدرفلة الأخرى فى الفترة التى أعلنت فيها التوقف عن العمل، فقد بلغت مبيعات «المصرية لمنتجات الحديد» التابعة لمجموعة الجارحى للصلب نحو 6588 طناً فى مايو الماضى، ارتفعت إلى 8464 طناًً فى يونيو التالى له.
كما بلغت مبيعات «المصرية للصلب»، التابعة لمجموعة الجارحى للصلب كذلك نحو 7533 طناً فى مايو، لكنها تراجعت فى يونيو التالى له إلى 5409 أطنان، كما باعت شركة «مصر الوطنية- عتاقة» التابعة لمجموعة الجارحى للصلب فى مايو الماضى نحو 18.504 ألف طن، ارتفعت إلى 19.272 ألف طن فى يونيو التالى له.
وفقاً للمستندات، بلغت مبيعات «مصر ستيل للصناعات المعدنية» فى مايو 11.426 ألف طن فى مايو، ارتفعت إلى 12.555 ألف طن فى يونيو التالى له.
ذكرت المستندات حجم مبيعات شركة «على الدين وسرحان للصلب»، التى بلغت 6193 طناً فى مايو الماضى، لكنها انخفضت نسبياً إلى 6095 طناً فى يونيو التالى له، وبلغت مبيعات «المعادى ستيل» 256 طناً فى مايو الماضى، ثم 297 طناً فى يونيو التالى له.
قال مصدر ثالث فى مصانع الدورة المُتكاملة، إن المستندات توضح عدم توقف المصانع عن العمل كما ادعى أغلبها، وتساءل: «إذا توقفت عن العمل من أين جاءت كل تلك الكميات؟».
اعتبر المصدر قرار رسوم الإغراق على واردات البيليت قراراً مُكملاً لخطوات تأهيل صناعة الصُلب فى مصر، لكنها لم تزل ترغب فى إجراء خطوات أخرى تصحيحية يحتاجها القطاع لتحقيق تنمية متكاملة حقيقية.
قال إن القرار الأول تمثل فى فرض رسوم إغراق على واردات الحديد (المنتج النهائى) من دول أوكرانيا، وتركيا، والصين؛ لمواجهة ممارسات الإغراق التى أضرت بالصناعة فى السنوات التى سبقت القرار من الدول الثلاث.
وفرضت وزارة الصناعة رسوم إغراق تدوم 5 سنوات على واردات حديد التسليح من المناشئ المُشار إليها فى الأسبوع الأول من ديسمبر 2017، بواقع %29 للصين، وبين 7 و%22.8 على تركيا، وبين 17.2 و%27 على أوكرانيا، وذلك من القيمة سيف CIF.
أوضحت المصادر، أن الصناعة تضررت وقتها من زيادة الواردات، ومن ثم تراجعت مبيعاتها، لارتفاع أسعارها عن أسعار المُنتج المستورد، بما يزيد على 700 جنيه للطن فى بعض الأوقات، ما تسبب فى تفاقم أزمات المصانع فى وقت تُعانى فيه من زيادة التكاليف بدرجة كبيرة.
أشارت إلى أن جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية فى وزارة الصناعة، بحث جميع المستندات الدالة على أن الواردات ترد بأسعار مُغرقة للسوق المصرى، وتأكد الجهاز من صحة الأدلة ومدى تضرر الصناعة المحلية من تلك الواردات.
أضافت أن القرار الثانى جاء مطلع العام الحالى، وتمثل فى وقف التجار عن استيراد البيليت، وقصر استيراده على المصانع، ما يحمى الصناعة المحلية من الممارسات الخاطئة التى اعتاد البعض تنفيذها لمصالحهم الشخصية.
تابعت: «البعض كان يشترى كميات كبيرة من البيليت بأقل من الأسعار العالمية بصورة أو بأخرى، ثم تتم الدرفلة فى المصانع المصرية، ومن ثم طرح الإنتاج فى السوق بأسعار أقل من اسعار المصانع المُتكاملة بنحو 1000 جنيه للطن، ما يقتطع من حصص الشركات المُتكاملة.
ذكرت أن القرار الثالث تمثل فى فرض رسوم إغراق على واردات «الحديد» من جميع مناشئ العالم بنسب تصل إلى %15، وهو ما يمنع مُحاولات الاستيراد التى يعمل عليها البعض، ما يمنح المصانع المحلية قدرة أكبر على زيادة الإنتاج وتطوير نفسها.
أضات المصادر، أن القرار الأخير كان بمثابة مُنقذ للاستثمارات الجديدة للمصانع المُتكاملة، وهو ما يخص رسوم الإغراق على «البيليت» من جميع مناشئ العالم، والذى أعلنته وزارة الصناعة منتصف أبريل الماضى، بنسب تتراوح بين 3 و%15، تُحددها الاسعار العالمية بين 440 و450 دولاراً للطن.
أوضحت المصادر، أن المضانع المُتكاملة ضخت استثمارات كبيرة فى السنوات الأخيرة للتحول من الدرفلة فقط إلى الصهر والمراحل السابق لها، وكانت الفوائد البنكية مُرتفعة، إذ اعتمدت المصانع على البنوك لتمويل الاستثمارات.
تابع: «دخول البيليت بأسعار مُنخفضة وبكميات كبيرة، يمنع المصانع المُتكاملة من المُنافسة فى السوق، خاصة أن مصانع الدرفلة تطرح مُنتجاتها بأسعار أقل من المصانع المتكاملة تتراوح بين 600 و800 جنيه للطن، وتصل إلى 1000 جنيه فى بعض الأحيان».
أبرزت المصادر، أهمية القرار من حيث حمياته لنحو %80 من استثمارات الصُلب فى مصر، بما يزيد على 100 مليار جنيه، خاصة أن القيمة المُضافة على المنتجات التى تستوردها المصانع المُتكاملة ترتفع فوق %70، فى حين لا تُضيف مصانع الدرفلة أكثر من %10.
أوضحت أن حجم الطاقات الإنتاجية المُتاحة محلياً من الحديد يزيد على 12 مليون طن سنوياً، لكن الإنتاج الفعلى يتراوح بين 7 و8 ملايين طن، والاستلام دائماً ما يكون فى تلك الحدود، فلا حاجة إذاً للاستيراد ما دامت الصناعة المحلية تُغطى حاجة السوق.
طالبت المصادر، بأهمية تمسك الحكومة بقرار رسوم الإغراق على واردات خامات التصنيع من «البيليت» لتستطيع المصانع الاستمرار فى المنافسة قائلاً: «ما تُضيفه المصانع الكبيرة يفوق ما تقدمه المصانع الصغيرة بالمرات، ولا يجب تجاهل ذلك».
قالت المصادر، إنَّ الصناعة ما زالت فى حاجة ماسة لخطوات جديدة لتأهيلها نحو المُنافسة بشكل عام، وليس المحلية فقط، إذ إن تنفيذ قرارات خفض أسعار الطاقة خاصة (الغاز) يسمح بخفض التكاليف الإنتاجية، وبالتالى القدرة على العودة للتصدير مرة أخرى.
أصدر مجلس الوزراء قراراً بخفض أسعار الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك فى العام 2016، لكن لم يتم التنفيذ بعد، وهو ما يدعم المصانع فى مطالبها المتعددة بأهمية خفض الأسعار من 7 إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.