1.4 مليون سيدة خرجن من قوة العمل خلال 12 شهراً
“المهدي”: تراجع قوة العمل غير مفهوم خاصة مع النمو السكاني
البنك الدولي: نسبة مساهمة النساء فى قوة العمل من أقل المعدلات عالميًا
“الليثي”: ارتفاع التضخم وتآكل الأجور يجب أن يحفز عمالة النساء وليس العكس
تراجعت معدلات البطالة فى مصر بوتيرة متسارعة بدايةً من الربع الأول للعام الماضي، لتنخفض أكثر من 3.8% خلال 18 شهرًا من 11.3% فى ديسمبر 2017، إلى 7.5% في يونيو الماضي.
ولم يتزامن ذلك الانخفاض الكبير مع ارتفاع في تقديرات المشتغلين بل تراجعت إلى 25.96 مليون مشتغل مقابل 26.16 مليون في يونيو 2018، و25.68 في يونيو 2017.

كما أن قوة العمل والتى تعبر عن كافة الأفراد القادرين والراغبين في العمل، لم تتسع مع دفعات الخريجين الجدد من الجامعات بل انكمشت إلى 28.06 مليون فرد في يونيو الماضي مقابل 29.04 مليون فرد في يونيو 2018، و29.18 مليون فرد يونيو 2017.
وبدأت وتيرة الانخفاض في معدلات البطالة فى تسارع بعد تصريح شريف إسماعيل فى نوفمبر 2017 باعتقاده أن معدلات البطالة في مصر أقل من المعلنة، وطالب رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على مقربة من الصحفيين بمراجعة أرقام الربع الثالث من 2017 قبل إصدارها.

كانت “البورصة” أحد شهود العيان على محاولات وزيرة التخطيط هالة السعيد تقريب وجهات النظر، بين اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز السابق ورئيس الوزراء السابق أيضا عندما كانا فى منصبيهما، لكن الجندى رفض آنذاك أى محاولة لمراجعة البيانات، قائلا “البيانات لن يتم مراجعتها أو تعديلها وستصدر غدًا”.
والتقت البورصة “الجندي” على هامش ندوة فى المركز المصري للدراسات الإقتصادية، وأكد فيها صدور البيانات من وأنها لن تنال رضا رئيس الحكومة.
لم يمر وقت طويل حتى تقرر استلام أبوبكر الجندي لحقيبة وزارة التنمية المحلية فى حكومة شريف إسماعيل، واختيار رئيس جديد للجهاز، بعدها تسارع معدل تراجع البطالة، وقوة العمل وأعداد المشتغلين على السواء.
وقال مصدر حكومي رفيع المستوى إنه عند إعداد برنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم مع صندوق النقد الدولي كان لابد من تقليل حدة آثاره الأمر الذي ترتب عليه تدشين عدد من المشروعات القومية للطرق لسببين اولهما خلق فرص عمل لاستيعاب أكبر قدر من العمالة، وثانيهما لتهيئة المناخ اﻻستثماري للمستثمرين.
وأضاف المصدر أن الآثار التضخمية المواكبة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي كانت لابد أن تواجه بمزيد من فرص العمل لإحداث توازن بين معدلات التضخم ومعدلات البطالة.
أشار إلى أن العمالة الموسمية التي تعمل في تلك المشاريع القومية سيكون لديها فرصة كبيرة للعمل بشركات استثمارية حالة زيادة اﻻستثمارات الأجنبية المباشرة بالسوق نتيجة وجود خبرة مسبقة .
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن تراجع قوة العمل نحو 980 ألف فرد خلال 12 شهرًا، تنتهي في يونيو الماضي، تزامن مع خروج 1.4 مليون سيدة من قوة العمل، فى الوقت الذى ارتفع فيه الذكور القادرين والراغبين فى العمل بنحو 351 ألف فرد.
وبذلك تنقسم قوة العمل البالغة 28.06 مليون فرد، إلى 23.06 مليون ذكر، و5.053 مليون أنثى.
وبالنظر إلى أعداد المشتغلات نجد أن ما يزيد على 1.12 مليون سيدة قررن بشكل جماعي التوقف عن العمل ليصل عدد النساء فى سوق العمل نحو 3.9 مليون عاملة بنهاية مارس الماضي مقابل 5.02 مليون بنهاية يونيو 2018.
ووفقًا للبيانات التفصيلية عن مسح القوة العاملة للربع الأول من العام جاء معظم التراجع فى أعداد المشتغلات فى القطاع الخاص، حيث انخفض إلى 1.94 مليون مشتغلة مقابل 3.4 مليون مشتغلة، فى الوقت الذي ارتفع فيه أعداد المشتغلات بالحكومة إلى 1.74 مليون مشتغلة بنهاية مارس الماضي مقابل 1.436 مليون مشتغلة فى مارس 2018 .
ووفقًا لبيانات الجهاز تراجع أعداد المشتغلات فى قطاع تجارة الجملة 244.6 ألف، وفي قطاع الخدمة المنزلية 200 ألف، والزراعة 241.6 ألف، والصحة 141.5 ألف، والتعليم 103 آلاف، والإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي الإجباري بنحو 92.6 ألف مشتغلة.
وقالت علياء المهدى، عميد كلية سياسة واقتصاد الأسبق، إن تراجع قوة العمل على أساس سنوى أمر غير مفهوم خاصة مع معدل النمو السنوى فى أعداد السكان الذى يصل إلى 2.5% ومع سيطرة الشباب على الجزء الأكبر منه.
أضافت أن خروج ما يزيد على مليون سيدة مشتغلة من قوة العمل اتجاه جديد على بيانات سوق العمل فى مصر.
ورغم التراجعات الكبيرة والمتسارعة فى معدلات البطالة إلا أن الاقتصاد لم يضف سوى 280 ألف وظيفة فقط خلال العامين الماضيين، تمثل الزيادة التى حدثت فى أعداد المشتغلين خلال تلك الفترة.
ويدخل إلى سوق العمل سنويا أكثر من 800 ألف شخص سنويا، وتفترض الأرقام المعلنة أنه تم استيعابهم وتوفير وظائف لرقم مماثل من العاطلين أيضا.
وقال البنك الدولي، فى أحدث تقاريره عن الاقتصاد المصري، إن معدلات البطالة فى مصر تراجعت لكن سوق العمل لم يستفد بشكل كامل من تعافي النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى انخفاض نسبة المشتغلين، لتسجل 38.5% من جملة السكان مقابل 40.4% فى الربع الأول من العام المالي 2017، بالتزامن مع انخفاض مشاركة قوة العمل إلى 41.6% من جملة السكان مقابل 46.3% خلال الفترة نفسها.
وذكر أن انخفاض قوة العمل فى بلد يمثل الشباب النسبة الأكبر من سكانه وارتفاع معدلات الزيادة السكانية لديه كان مفاجئا.
وأثارت تلك الأرقام تساؤلات البنك الدولى الذى ناقش الحكومة فى ذلك، ونشر البنك رد الحكومة فى تقريره الأخير عن الاقتصاد المصرى الذى نشر الشهر الماضى.
وجاء رد الحكومة على تساؤلات البنك الدولى عن ترجع قوة العمل خصوصا من النساء بأن المبرر هو البحث عن فرص عم للخارج، وتخلي النساء عن الرغبة فى البحث عن عمل والاستقالة.
وذكر أنه يجب النظر فى تراجع قوة العمل وأعداد المشتغين لفهم الأسباب وراء ذلك الاتجاه وطالب بتحييد أثره عن معدلات البطالة.
وأشار إلى أنه وفقًا لمسح القوة العاملة فإن 621 ألف عاطل أصبحوا غير عاطلين حتى ديسمبر 2018 مقارنة مع نهاية 2017، كما خرج 147 ألفا من قوة العمل.
وقال البنك الدولي إن البطالة بين فئة الشباب أيضًا مشكلة مزمنة، ويمكن أن يعزو ذلك إلى عدم تحقيق القطاع الخاص نموا كافيا لتعويض الدور الذي اعتاد القطاع العام لعبه، كما أن مهارات المنضمين الجدد سوق العمل لا تتناسب مع متطلبات القطاع الخاص، كما أن ضعف الوصول للتمويل حد من فرص ريادة الأعمال.
وقال التقرير، إن نسبة مشاركة النساء فى قوة العمل تراجعت خلال 2018 إلي 16.7% من قوة العمل مقابل 23% فى 2017، وهى واحدة من أقل المعدلات عالميًا، ما يعكس عدة عوائق أمام استمرار النساء فى سوق العمل.
وأشار إلى أن الحكومة لديها حُجة أخرى وهى أن تزايد حوالات المصريين بالخارج، ونظام المعاشات الذى يشمل الابنة المطلقة وغير المتزوجة والأخت يحد من حاجة النساء لدخول سوق العمل.
وقالت هبة الليثي، الخبير الإحصائية، إن تراجع أعداد المشتغلات من النساء يوضح وجود خلل كبير إما فى سوق العمل أو فى المنهجية الاحصائية، خاصة أن أعداد المشتغلات ترتفع فى الأوقات التى يرتفع فيها التضخم وتتآكل فيها الدخول الحقيقية لذلك من غير المنطقي تراجع أعداد المشتغلات فى الوقت الذي زادت فيه أعداد المشتغلين من الرجال.
وذكرت أن الفترة الماضية كثفت الدولة مبادرات تمكين المرأة اقتصاديًا واتاحت الجهات المختلفة تمويلات للنساء لبدء مشاريعهن الخاصة لذلك من غير المفهوم ماذا تدهور فى سوق العمل ليخرج منه هذا العدد الكبير.
ووفقًا لأحدث بيانات هيئة الرقابة المالية، فإن حصة النساء من تمويلات المشروعات متناهية الصغر تصل إلى 52.3% من جملة التمويلات، بقيمة تتخطى 6.3 مليار جنيه، و66.5% من جملة المستفيدين بنحو 1.9 مليون مستفيدة.
وقالت نيفين جامع، الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات، إن الجهاز ضخ نحو 13 مليار جنيه منذ أبريل 2017 وحتى أبري الماضي، وقام بتوفير مايزيد عند 500 ألف مشروع وأكثر من 48% منها تم توجيهها للنساء.
وذكرت أن الجهاز يشترط عند التعاقد مع البنوك توجيه نسبة معينة من التمويلات لا تقل عن 30% إلى النساء وذلك دعمًا لجهود الدولة فى تمكين المرأة اقتصاديًا.
واستحدث بنك ناصر الاجتماعى، عددا من المبادرات لتمكين الأسر اقتصاديا منها مشروع مستورة الممول من صندوق تحيا مصر لتحقق تمكينا اقتصاديا للمرأة المعيلة وتم تنفيذ من 17 ألفا و455 مشروعا فى كافة المحافظات بقيمة 289 مليونا و217 ألف جنيه.
وقال البنك الدولي فى دراسة أطقلها مارس الماضي، عن تمكين المرأة فى مصر، إن استدامة النمو الاقتصادي لن تتحقق إلا بمشاركة جميع فئات المجمتع وعلى رأسهم النساء.
وأشار إلى أن العلاقة القوية في العادة بين مستوى التحصيل الدراسي والمشاركة في النشاط الاقتصادي للجنسين تتقلص مع انكماش تمثيل السيدات المتعلمات فى الحكومة، بجانب الإجحاف الذى تتعرض له النساء فى القطاع الخاص ما يقف أمام مشاركتهن فى النمو الاقتصادي، وذكر أنه عند تساوي أعداد المشتغلين من النساء مع أقرانهم الذكور سيرتفع الإنتاج المحلي الإجمالي ما يزيد على 34%.
وقال التقرير، إن النساء يفضلن العمل فى القطاع العام، فى ظل ساعات العمل الطويلة والرواتب المتدنية فى القطاع الخاص.
وذكر أن القسم الأكبر من العاملات من النساء فى قطاع التعليم الذي يحصل على أدنى أجر وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ونصف العاملات فى القطاع غير الرسمي تحصلن عى أجور متدنية.
وأشار إلى أن النساء يقضين الجزء الأكبر من أوقاتهن فى أعمال بدون بأجر فى المنزل تقدر بقيمة 496 مليار جنيه، وأن تلك المهام لا تقل مع الالتحاق بسوق العمل، وأن العمل الحر يبدو الملاذ الأخير للنساء اللاتي يعجزن عن إيجاد وظيفة ذات أجر مناسب.
وأكد أن الزواج أحد الأسباب الرئيسية لتدني مشاركة النساء فى السوق العمل.
لكن محللا فى بنك الاستثمار هيرميس، يرى أن تلك الأسباب توضح الضعف الهيكلي لمشاركة النساء لكن خلال العام الماضي تحديدًا لم يحدث ما يبرر ذلك التراجع فى أعداد النساء خاصة مع تراجع معدلات الزواج.
وانخفضت عقود الزواج فى مصر خلال 2018، بمعدل 2.8% لتصل إلى 887.3 ألف عقد مقابل 912.6 ألف عقد خلال 2017، فى الوقت الذى ارتفعت فيه عقود الطلاق إلى 211.5 ألف حالة طلاق مقاب 198.3 ألف حالة خلال 2017.