“المبادئ لا تتجزأ”.. كثيراً ما أضحك ساخراً فى نفسى عندما أحضر نقاش بين طرفين يستخدم أحدهما هذه العبارة، اضحك حين استشعر جلد الذات والحرج الذى ينوب الطرف الآخر؛ حيث يدرك أنه صُنف على انه دون قيم ومبادئ أو بالأحرى منافق أو متلون.. فهل حقيقى أن المبادئ لا تتجزأ وتتغير؟
كم هو من الغريب ان يتخيل الإنسان المُفكر ان شيئ لا يتغير فى ظل كل هذه المتغيرات التى حولنا، بل والأهم المتغيرات داخلنا، فما أصعب ان يضع الإنسان قانوناً عاماً ويطبقه كالأعمى مهما اختلفت الظروف والتفاصيل؟
من منا لم يصادف شخص استثناه خارج قاعدة عامة فقط لأنه يرى شىء فيه لا يراه غيره؛ أو ربما يكون يميل إليه نفسياً عن غيره، اين كانت المبادئ؟ بالطبع كل هذه التصرفات صُنفت تحت مبادئ، ولكنها ليست مبادئ عامة لا ترى، بينما مبادئ عامة خضعت للتجزئة على حسب الموقف والحالة.
والألعن على مستوى الدول والحكومات فمبادئها ايضا تتجزأ بل وتتغير؛ حيث بعد ظهور الجانبين الاشتراكي الشيوعى والرأسمالى الليبرالى، ممّا أدى إلى ظهور ما تُعرف بالحرب الباردة التى ظلّت ما يقارب 40 سنة، وانتهت بانتصار الرأسماليّة على الاشتراكيّة.. تبنت الولايات المتحدة فكرة ربط العالم ببعضه من كل النواحى سواء تجارية أو اقتصادية أو ثقافية.. فقد عاصرنا الشعارات الرنانة بأن العالم أصبح قرية صغيرة.
ثم أبدع كبار المثقفين وأصحاب الرأى فى إبداء آرائهم اتجاه هذه الظاهرة الجديده سواء بالإيجاب أو بالسلب، فمثلاً كتاب مستقبل الثقافة فى مصر الذى فضل فيه طه حسين أن نتبع الحضاره الغربية “بحلوها ومرها” كان تأييداً لهذه الفكرة وهى العولمة التى تبنتها أمريكا لاحقاً.
فى اعتقادى، لم يكن ليتوقع طه حسين فى كتابه مستقبل الثقافة فى مصر ولا المؤيدين لهذه الفكرة أن يتغير مبدأ صاحب المبدأ فى الأساس – الولايات المتحدة الأمريكية، فوجدنا بمجرد نشوب الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، تغير موقف أمريكا ضمنيا من خلال قوانين جديده متعلقه بالجمارك والضرائب ولاسيما الرسوم على الشركات الصينيه فى أمريكا أو الواردات الصينه بشكل عام مزعمة الحفاظ على المنتجات الأمريكية، أين كانت تلك المبادئ والنظريات قبل ذلك؟ ولماذا تشجع أمريكا الاستيراد من الدول التى ترى جودة لموقفها السياسى بها دون غيرها مثل الصين وروسيا.
الحقيقه أن أمريكا تبنت من أوروبا مبدأ العولمة وضرورة التصدير والاستيراد حتى أصبحت أكبر مصدر في العالم فى أوائل الستينيات؛ وبدأت فى التخلى عنه عندما تأكدت انها لن تصبح أكبر مصدر فى العالم بعد استحواذ الصين على المركز الأول منذ 2014.
وحتى في مصر بعدما سادت فترة من عدم الثقه بين القياده عقب ثورة 1952 وانتشر شعار “أفضلية أهل الثقة على أهل الخبره” وهو مبدئ يوضح تماماً التضحية بالوسيلة من أجل الغاية المنشودة، وكأن الثقة لا يمكن أن تُبنى مع شخص نضمن كفاءته لضمان مصلحة الوطن.
صحيح ان المبادئ لا تتغير، أو يجب أن لا تتغير فور نُضج الانسان؛ ولكن من المنطقي والواقعى أن تتجزأ على حسب المواقف، فالمبادئ تتجزأ ويجب أن “لا تتغير” كأى متغير فى الحياة على حسب الزمان والموقف.
بقلم: أحمد عزالدين
محل مالى واقتصادى
[email protected]