تناولت فى المقالات الثلاثة السابقة التداعيات السياسية والسياسية الاقتصادية على المستويين الدولى والإقليمى لحادثة ضرب منشأتين من المنشآت النفطية لشركة «أرامكو» السعودية على يد جماعات حوثية ربما تكون مدعومة من إيران بدرجة ما سأحاول فى الجزء الأخير من سلسلة المقالات هذه النظر إلى ما يتعلق بمصر على وجه التحديد لما كان الأمر فى بلادنا له أبعاد خاصة بالنظر إلى حداثة عهدنا كمواطنين عاديين فى التعامل مع فكرة أن المتغيرات الدولية تؤثر علينا بشكل مباشر وتنعكس فى حياتنا اليومية، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بأسواق النفط العالمية والتى أصبحت الأسعار السائدة فيها تحدد قيمة الوقود بمحطات التموين المصرية كما هو الحال فى معظم بلدان العالم.
وأنوه فى هذا الصدد أولاً إلى أنه على المدى القصير والمتوسط لن نشعر فى مصر بتغييرات جوهرية وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو أن الحكومة قد أبرمت اتفاقيات ربع سنوية بدأت فى يوليو 2019 للتحوط من تقلبات أسعار البترول عالمياً مع شركات ضمان المخاطر الدولية حول منطقة 70 دولاراً أمريكياً لبرميل الخام القياسى برنت بمعنى أنه حتى لو ارتفع السعر بما يزيد عن ذلك ستقوم تلك الشركات بسداد الفارق نيابة عن الدولة المصرية وبما أن سعر البرميل كان محسوباً فى موازنة العام المالى 2020/2019 على أساس 67 دولارا، سيكون الحد الأقصى للتغيير على مدى الأشهر الثلاثة القادمة (الربع الأخير لسنة 2019) هو ثلاثة دولارات بالإضافة إلى تكلفة إتفاقية التحوط نفسها.
ولكن هذا لا يمنع بالطبع أن تظهر المشكلة بعد انقضاء هذه الفترة إذا ما ارتفع سعر الخام فعلاً وظل مرتفعاً حتى نهاية سبتمبر الحالى عندما يحين موعد تجديد اتفاقية التحوط وينتهى سريان السعر القديم.
أما السبب الثانى فهو أن آلية التسعير التلقائى التى اختارتها الحكومة المصرية هى طريقة تسمى Smoothing Averages with a 10% Cap أو «التغيير وفقاً للمتوسطات بحد أقصى %10» ويعنى ذلك أن يتم احتساب متوسط سعر الخام عالمياً على مدار الأشهر الثلاثة الماضية للوصول إلى قيمة الوقود الجديدة، سواء بالزيادة أو النقصان وإذا ما زاد هذا التغيير عن %10 فى أى من الاتجاهين يتم ترحيل هذه الزيادة بالإضافة أو الخصم إلى الربع التالى.
فلنفترض مثلاً أن سعر اللتر كان 8 جنيهات كما هو الحال بالنسبة لوقود 92 حالياً وبلغت نسبة التغيير وفقاً للسعر العالمى للخام %5 لأعلى، سيزيد سعر اللتر حينها ويصبح 8.40 جنيه ولكن إذا زاد سعر الخام عالمياً بنسبة %15 (أى 1.20 جنيه) سيرتفع سعر اللتر إلى 8.80 جنيه فقط ويُرحل الباقى ويخصم من الربع التالى، أى أنه لو انخفض سعر الخام فيما بعد %10 لن ينقص سعر الوقود سوى %5 فقط لتعويض الفارق السابق وهكذا أى أن الحماية التى سيتمتع بها المستهلك فى هذه الحالة مؤقتة الطابع أيضاً ولن تفيد كثيراً على المدى المتوسط إذا ما وصل سعر الخام عالمياً إلى مستويات منتصف عام 2015 وكسر حاجز المائة دولار لبرميل برنت ولذلك كان رأيى فى السابق أن تكون آلية التسعير مختلفة بما يحمى المستهلك المحلى بشكل أكثر استدامة ولكن اتخذت الحكومة فى النهاية قرار مختلف ينبع فى الأساس من اعتبارات ضريبية لا يتسع المجال للخوض فيها تفصيلاً هنا.
هل يُمكن إذن أن تتحول الحرب على أرامكو إلى حرب على المواطن المصرى أيضاً؟ أنا شخصياً أستبعد بدرجة كبيرة السيناريوهات القصوى ولا أجد ما يبرر مثل هذا التخوف إلا إذا افترضنا نشوب حرب فعلية ما بين إيران من ناحية والولايات المتحدة ومعها إسرائيل والسعودية من ناحية أخرى وهو احتمال مستبعد بدرجة كبيرة لأسباب أسلفت ذكرها فى المقالات الثلاثة الأولى من هذه السلسلة وهذا بعيداً عن أنه فى حالة ما قامت مثل هذه الحرب سيكون لدينا هنا فى مصر مشاكل أكبر بكثير جداً من مجرد ارتفاع أسعار الوقود.
وبعيداً عن سعر الوقود ومن منطق سياسى بحت أرى أن الحكومة المصرية لا تملك فى هذه اللحظة سوى الإبقاء على موقفها الدبلوماسى الحالى وهو موالى بطبيعة الحال للجانب السعودى/الأمريكى ولكن دون نبرة متشددة لأننا الآن لا نملك أن نكون طرفاً فى أى نوع من أنواع الصراعات العسكرية بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية الجمة التى تواجهها الدولة المصرية المثقلة بديون تعدت فوائدها فقط فى العام المالى الحالى نصف تريليون جنيه وأقساطها أكثر من 300 مليار جنيه، أى ما يزيد عن نصف الموازنة العامة للسنة المالية 2020/2019 وأى أعباء أخرى لن نكون قادرين على تحملها بكل تأكيد.
بقلم: محمد شيرين الهوارى
خبير فى الاقتصاد السياسى