واصلت مؤشرات البورصة المصرية انخفاضها منذ مطلع هذا الأسبوع فى مناخ يسوده عدم الاستقرار بسبب الأخبار غير الدقيقة لبعض وكالات الأنباء الأجنبية عن التوتر فى الشارع المصرى، ما دفع بعض المتعاملين فى البورصة إلى الاندفاع نحو البيع بزعم انهيار وشيك ربما يحدث فى البورصة، خصوصا بعد أن خسر رأس المال السوقى للأسهم المقيدة نحو 66 مليار جنيه فى 3 أيام منذ بداية الأسبوع. لذلك قررت أن يكون موضوع المقال عن الانهيارات التى تحدث فى أسواق المال، أسبابها وما يجب أن يفعله المستثمر حتى لا يقع تحت تأثير الشائعات ويندفع إلى اتخاذ قرارات انفعالية تؤدى إلى خسارة فادحة فى استثماراته المالية.
قبل أن أواصل شرحى فى هذا المقال، أود أن أذكر بوضوح أننى لا أتوقع حدوث انهيار فى البورصة، وفى اعتقادى أن ما يحدث هو ذعر مبالغ فيه لا مبرر له.
بداية ما هو الانهيار الذى قد يحدث فى بورصة الأوراق المالية؟ يشير تعريف الإنهيار إلى انخفاض حاد مفاجئ فى أسعار الأسهم يشمل عدة قطاعات من البورصة، ما يؤدى إلى خسارة كبيرة فى رأس المال السوقى. يحدث هذا عادة عندما تنخفض مؤشرات البورصة بشدة فى يوم أو يومين من التداول.
ويعد الإنهيار مفاجئًا أكثر منه حركة تصحيح للأسعار فى البورصة، عندما ينخفض السوق بنسبة 10 فى المائة من أعلى مستوياته على مدار أيام أو أسابيع أو حتى أشهر.
كل الأسواق الصاعدة لديها حركات تصحيح باعتبارها جزء طبيعى من دورة السوق التى يدركها المستثمرون المتمرسون فى البورصة، مثل هذا التراجع يسمح للسوق بالتماسك قبل التوجه نحو مستويات أعلى، ومع ذلك لا أحد يرحب بالصدمات فى السوق لأنها غالبا ما تكون مفاجئة وعنيفة وغير متوقعة.
غالباً ما تكون الصدمات فى أسواق المال مدفوعة بالذعر نتيجة لأسباب اقتصادية فى المقام الأول، ولكن فى بعض الأحيان يكون سبب الانهيار اضطرابات سياسية أو أمنية مفاجئة، وفى العديد من الحالات، يتعافى السوق إذا اتخذت السلطات المعنية إجراءات تصحيحية فورية حاسمة لمعالجة الأسباب ذات الصلة، أو زوال المخاطر المصاحبة.
غالبًا ما يتم تمييز الإنهيار فى البورصات عن الأسواق الهابطة Bear Markets من خلال عمليات البيع الهائلة والانخفاض المفاجئ فى الأسعار، فالأسواق الهابطة تشير إلى السوق الذى ينخفض فيها أسعار الأوراق المالية بنسبة 20 فى المائة على مدار شهرين أو أكثر لأسباب مثل وجود ضعف عام فى اقتصاد الدولة، وغالبًا ما ترتبط الانهيارات فى البورصة بظاهرة الأسواق الهابطة، لكنها لا تسير بالضرورة جنبًا إلى جنب.
تحدث الإنهيارات بشكل عام فى نهاية الموجة الممتدة فى الأسواق الصاعدة Bull Markets، حيث يشار إلى السوق الصاعد عندما ترتفع أسعار مجموعة من الأوراق المالية بشكل كبير، حينئذ يدفع الجشع فى جنى الأرباح أسعار الأسهم إلى مستويات لا يمكن تحملها، عند هذه النقطة، تكون الأسعار أعلى من القيمة الحقيقية للشركات قياسا إلى ربحيتها، فتبلغ نسبة السعر الى الربح أعلى من المتوسطات التاريخية، وهذا ما حدث بنهاية فقاعة شركات الـ«دوت كوم» فى عام 1999، والذى تسبب فى انهيار بورصة ناسداك.
يعد الركود من أبرز المخاطر التى يمكن أن تنتج عن الانهيار فى أسواق المال، بعبارة بسيطة، تمثل الأسهم المتداولة فى البورصة الطريقة التى من خلالها تحصل الشركات على الأموال لتنمية أعمالها، فإذا انخفضت أسعار الأسهم بشكل كبير، ستصبح الشركات أقل قدرة على النمو وتغطية تكاليف التشغيل، هكذا فالشركات التى لا تستطيع تلبية احتياجاتها المالية سوف تكون مضطرة إلى تسريح العمال فى نهاية المطاف لتقليص المصروفات من أجل البقاء فى السوق، كما سيتقلص مستوى إنفاق العمال المسرحين، وانخفاض الطلب يعنى انخفاض الإيرادات، وهذا يعنى المزيد من تسريح العمال، ومع استمرار الانخفاض، ينكمش الاقتصاد، مما يخلق ركودًا، وبالرجوع إلى الماضى، نلاحظ ان الكساد الكبير الذى حدث فى عام 1929 سبقه انهيار سوق المال.
ولكن ما هى أفضل نصيحة للمستثمرين فى البورصة فى أوقات الصدمات أو حتى الانهيار؟
حتى أثناء الإنهيار، يجب على المستثمر عدم الاستسلام لإغراء البيع، إن انهيار سوق الأسهم سيجعل المستثمر يبيع بأسعار منخفضة، هذا هو بالضبط الخطأ الأكبر الذى ينبغى عدم الوقوع فيه، فعادة ما تعوض البورصة الخسائر فى فترة ثلاثة أشهر أو ربما أطول قليل، وعندما يصعد السوق، غالبا ما يخاف المستثمر من الشراء مرة أخرى، نتيجة لذلك، تتحقق الخسارة فعليا، فإذا تم البيع خلال فترة الانهيار، فربما لن يتمكن المستثمر من الشراء فى الوقت المناسب لتعويض خسائره.
النصيحة الثانية هى الاستثمار باستمرار، حتى فى الأوقات العصيبة، الفائدة هنا هو إمكانية شراء الأسهم عندما تكون فى أرخص حالاتها، وهى من أفضل الأوقات لشراء الأسهم كانت عندما تكون الأمور تبدو فى ظاهرها سيئة.
والمثير للدهشة، فى بعض الأحيان أن النصيحة هى عدم فعل أى شيء، وهو الإجراء الأكثر فعالية لعدد كبير من المستثمرين، فإن عدم اتخاذ أى خطوات جذرية فى بيع الأسهم وانتظار العاصفة للوصول إلى نهايتها هو أفضل تكتيك يمكنك تنفيذه.
الانهيار المفاجئ فى سوق الأسهم أمر مثير للقلق، لكنه ليس بالضرورة مؤشر ينذر بانهيار مالى وشيك، ولا يعنى أن الأسهم لم تعد استثمارًا جيدًا على المدى الطويل.
الخلاصة، ما لم يكن المستثمر بحاجة إلى سيولة نقدية حالية، فالنصيحة هى عدم بيع الأسهم بعد حدوث انهيار، أفضل شيء يمكن عمله هو الاحتفاظ بالهدوء وعدم الاندفاع لاتخاذ أى قرار، أى عدم فعل أى شىء! ومع ذلك، لا بأس فى شراء بعض الأسهم إذا كان لدى المستثمر فائض من الأموال للقيام بذلك، وعندما تنتهى العاصفة، يمكن إعادة تقييم الموقف بعمل تحليل لمكونات محفظة الأسهم وإجراء أى تعديلات لإعادة توزيع الاستثمارات وتحقيق التوازن.
بقلم: هانى أبو الفتوح ؛ خبير اقتصادي.