يذهب تأثير الهجوم على مرافق البترول السعودية، نهاية الأسبوع الماضى، إلى ما وراء الفقدان المؤقت لـ%5 من إنتاج البترول العالمى، وإنما يضرب قلب الآلية التى ضمنت أمن إمدادات الخام للعالم خلال معظم الخمسين عاماً السابقة.
ومنذ ذلك الحين فقد كبار منتجى البترول الغربيين السيطرة على الإنتاج فى الشرق الأوسط، وكان استعداد السعودية للاستمرار فى إنتاج فوائض خاملة بمثابة صمام الأمان لتخفيف اعتماد العالم الغربى على المنطقة المتقلبة، وعندما كان ينشب صراع يتسبب فى توقف الإمدادات بمكان آخر، كانت تفتح الرياض دائماً الصنابير لخدمة السوق الدولى، ولكن وجه الضعف الذى ظهر مؤخراً يتطلب إعادة تفكير فى كيف ننظر وربما ما ندفع لأمن الإمدادات المستقبلى.
وقال وزير الدفاع السعودى، فى بيان صحفى، بعد 4 أيام من الهجوم، إنَّ 25 طائرة بدون طيار وصواريخ كروز إيرانية الصنع تم استخدامها للهجوم على الموقعين.
ولكن لا يزال مدى تورط إيران غير واضح، فقد يكون لديها دور مباشر وربما أمدت المتمردين الحوثيين بالمعدات، أما الاحتمالية الثانية فتعد أكثر إشكالية؛ لأنها تضع القدرة على إحداث ضرر ثقيل فى يد أى شخص قادر على تسيير طائرة بدون طيار.
وإذا كان الهجوم بالفعل تم إطلاقه من إيران، فإن هذا يخلق أسئلة جدية للغاية بشأن قدرة أنظمة الدفاع الجوى السعودية الباهظة أو الأشخاص الذين يستخدمونها على الدفاع عن أهم منشأة بترول فى الكوكب، ويعد الفشل على تتبع 25 تهديداً قادماً من مسافة 280 ميلاً من اتجاه عدوك اللدود فشلاً ذريعاً، أما الإغفال عنها من اتجاه غير متوقع فقد يكون مفهوماً إلى حد ما ولكنه كارثى كذلك.
وسيتم إصلاح الدمار الذى لحق بالبنية التحتية، فقد استأنف حقل الخريص %30 من قدرته الإنتاجية خلال 24 ساعة، وضخ حوالى 360 مليون برميل يومياً، وبدأ معمل بقيق معالجة 2 مليون برميل يومياً منذ يوم الثلاثاء الماضى، بانخفاض من 4.5 برميل يومياً قبل الهجوم.
وقال وزير الطاقة السعودى الجديد، عبدالعزيز بن سلمان، إن القدرة الإنتاجية للمملكة سوف تعود إلى 11 مليون برميل يومياً فى يوم ما بنهاية الشهر الجارى وإلى القدرة الكاملة بنهاية نوفمبر، ولكن ترى بعض التحليلات المستقلة، أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول.
وقالت شركة «إف جى إى» لاستشارات الطاقة، إنَّ خطط السعودية متفائلة للغاية، بينما قالت «ريستاد إنرجى»، إن إصلاحات معمل بقيق لن تنتهى قبل نهاية العام الجارى.
ومبدئياً سوف يعوض عن التراجع فى الإمدادات رفع الإنتاج من الحقول السعودية التى لا تعتمد على بقيق أو الخريص فى التكرير، وسحب احتياطيات المملكة فى الموطن والخارج، وأيضاً رفع الدول المنتجة الأخرى الإنتاج، وسوف تلجأ الدول المستهلكة للبترول إلى الاحتياطيات الاستراتيجية إذا لزم الأمر. وترى وكال الطاقة الدولية، إنه لا حاجة لذلك.
ولكن فقدت القدرة الإنتاجية القصوى المستدامة للسعوديية البالغة 12 مليون برميل يومياً فعاليتها كالغطاء الأمنى الهيدروكربونى للعالم.
ولطالما كانت المخزونات الاستراتيحية فى الدول المستهلكة للبترول مجرد مسكن مصمم لمساعدتها على تجاوز اضطراب قصير فى المعروض حتى تعزز السعودية إنتاجها، ولكن هجوم السبت الماضى أخذ على عين غرة معظم هذه القدرة الفائضة وكذلك الإمدادت الحالية.
وما يحتاجه العالم الآن هو هدنة سلام أو على الأقل «تحمل للرأى والرأى الآخر»، فى الشرق الأوسط، ولكن للأسف هذا يبدو غير ممكن مثلما كان فى أى وقت مضى، كما أن إفقار إيران أو أى دولة أخرى لن يقلل التوترات حتى إذا كان رد فعل على الهجوم.
وفى غياب الهدوء السياسى من الواضح، أن هناك حاجة لتحديث مكثف لحماية الأصول الرئيسية، رغم أن هذا لن يقلل احتمالية وقوع هجوم آخر.
ولطالما كان وضع القدرة الإنتاجية الفائضة للعالم أجمع فى مكان واحد خطورة كبيرة، ومن الأفضل وضع نظام أوسع لتوزيع القدرة الإنتاجية، وتمويل زيادة المخزونات الاستراتيجية عبر المناطق الجغرافية المختلفة حتى فى الولايات المتحدة التى لا تزال مستورداً صافياً للبترول، ولكن فى ظل فقدان المؤسسات الدولية لقوتها، لا أتمسك بآمال كبيرة.
بقلم جوليان لى ؛ استراتيجى البترول فى «بلومبرج» وكبير محللين سابق بمركز دراسات الطاقة العالمية
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»