كأمريكى فقير، من السهل الشعور بالتجاهل.. ويقول الفقراء، إنهم منسيون ولأنهم فقراء، يعتقد الناس أنهم غير مهمين فمجرد الحصول على المياه النظيفة فى شرق ولاية كنتاكى يتطلب جهداً هائلاً، وفى شيكاغو أصبحت روزازيليا جريلير ناشطة فى مؤسسة cofi، وهى مجموعة مجتمعية تقوم بحملة لإصلاح المدارس بعد أن كانت تعيش فى منطقة فقيرة، لكن كان لديها القليل من الأمل.
وسعت جريلير إلى توفير مستقبل أفضل لأطفالها الصغار، ولكن مع قليل من الدخل ومرض السرطان يكون الأمر صعب أو أقرب للمستحيل مما أفقدها الأمل حرفياً فى أى شىء فمهما كانت جرعات الأمل، فإنها ليست فى مأمن من نوبات اليأس الزاحفة التى يجلبها الفقر وهو بعد نفسى للمعاناة لا تظهره الإحصاءات الرسمية الرقمية.
ويتطلب حظر انتقال الفقر بين الأجيال برنامجاً للسياسة العامة الجادة يقوم فى الأساس على اهتمام الجمهور نفسه وهذا غير موجود فى الوقت الحاضر بأمريكا ويرجع ذلك جزئياً ليس لأن الفقراء لا يصوتون، لكن بسبب أن نقاش الساسة المنتخبين يدور فى محاولة عقيمة لفصل الفقراء المستحقين عن غير المستحقين، ووفقاً لدراسات الانتخابات الوطنية الأمريكية يشعر الناخبون من جميع الطبقات باهتمام بحالة «الفقراء» أكثر من الأشخاص الذين يعيشون فى رفاهية.
لكن عواقب التقاعس واضحة، فالفقر للأسف، هو حالة وراثية وبالنسبة للبعض، مثل المنحدرين من السود من زمن الرق فى الجنوب الأمريكى والمناطق الموجودة فى المدن الداخلية المعزولة قسراً، وينطبق الشىء نفسه على الأمريكيين الأصليين، أما الآخرون، مثل الأصول الإسبانية والبيض الريفيين الذين هاجروا مؤخراً، فقد ذهبوا أدراج النسيان لأن الاقتصاد يكافئ مستويات التعليم والمجموعات العالية فى المدن.
وفى ضوء هذه الاتجاهات، من المحتمل أن يصبح الأطفال الفقراء من كل عرق الجيل القادم من أبناء البالغين الفقراء حالياً وسيدوم العار الوطنى لمثل هذه العقوبات للمجتمع.
وهذا ليس مجرد خطأ من الحكومة الفيدرالية وعدم رغبة المحافظين فى الاعتقاد بأن تدخل الحكومة يمكن أن يساعد بل إن القوة الدافعة وراء الفصل فى الدخل وتفاقم تركيز الفقر هى ارتفاع أسعار المنازل، التى تدفع الفقراء إلى العيش معاً فى بؤر وتركز المعوزين فى الضواحى والمدن الصغيرة الأقل استعداداً للتعامل معهم.
وتصبح المشكلة أكثر حدة فى المدن الأمريكية الأكثر ازدهاراً، والتى يحكمها ليبراليون غير خائفين من نتائج التصويت رغم سوء المعروض من المساكن بسبب السيطرة المحلية على تقسيم المناطق، ويمكن أن يستهلك الإيجار ما يصل إلى نصف دخل أفقر السكان، والمساعدات السكنية التى قد تخفف من بعض هذه الاتجاهات تعانى من نقص فى التمويل بالنسبة للطلب عليها.
وتؤدى المنافسة إلى زيادة الإيجارات، خاصة حول مناطق تواجد المدارس الجيدة وتعتبر ظاهرة المتشردين أكثر أشكال الفقر تطرفاً هى أحد الأعراض التى ترتفع فى المدن الباهظة التكلفة.
وفى عام 2018، قدرت نيويورك عدد سكانها المشردين بأكثر من 79 ألف نسمة بزيادة %48 عن عام 2010 رغم أنها تنفق 3.2 مليار دولار على خدمات المشردين كل عام فيما هناك واحداً من بين كل 4 أمريكيين بلا مأوى فى كاليفورنيا الآن.
والمطلوب هو الاعتراف بأن برامج مكافحة الفقر قد ساعدت الفقراء بالفعل وكما هو مقصود هى نقطة تحجبها مناقشات أوجه القصور فى الحساب الرسمى للفقر، لكن فاعلية أكبر للحرب الجديدة على الفقر قد تتحقق إذا ركزت على الأطفال، وهى مسالة مرتبطة بالتحليل للتكلفة والعائد البسيط فالتدخل المبكر يعزز الأرباح وبالتالى الإيرادات الضريبية ويقلل من الإنفاق على السجون وبرامج مكافحة الفقر.
وأظهرت الأبحاث التى أجراها ناثانيل هندرين وبن سبرونج كيسر من جامعة هارفارد، التى تقيم عائد الاستثمار العام فى مختلف الخطط الحكومية أن فوائد البرامج التى تستهدف الأطفال الفقراء تحقق عائدات أعلى بكثير من تلك التى تستهدف البالغين الفقراء، كما أن التدابير البسيطة مثل الإعانة النقدية الشاملة للأطفال وتمكين الأسر الفقيرة من الحصول إلى فرص فى أماكن أفضل ستكون أهدافاً وطنية غير مكلفة نسبياً.