تخاطر الشركات الأمريكية بالقيام بأعمال تجارية فى الصين وسط عدة مخاطر منها تباطؤ النمو الاقتصادى الناتج عن الحرب الاقتصادية والمظاهرات المؤيدة للديمقراطية فى هونج كونج، لكن كل هذه الظروف لم تمنعهم من المخاطرة باختراق السوق الصينى بشكل أعمق.
وتلقى عدد من الشركات الأمريكية الضوء الأخضر من الصين خلال الأسابيع الأخيرة وهو ما مكنهم من عقد صفقات مغرية فى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وأخذت “باى بال” على سبيل المثال ترخيصا تمكنها من تقديم خدمة المدفوعات الرقمية الشهر الماضى.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضى، أن شركة “بلاك روك” قد ناقشت شراكة محتملة مع شركة “تنسنت” الصينية، كما ربح بنك “جى بى مورجان” مناقصة تمكنه من التحكم فى أعمال إدارة الأصول الخاصة به فى الصين فى شهر أغسطس الماضى، ولكنها تنتظر الموافقة النهائية.
وهناك شركات أمريكية أخرى تستثمر فى الصين، فقد بنت شركة “تسلا” مصنعاً ضخماً فى مدينة شنجهاى العام الماضى، لكى تخترق أكبر سوق للسيارات الكهربائية وذكرت وكالة روتيرز أن المصنع سيبدأ فى العمل خلال الشهر الجارى.
وقال رئيس الغرفة التجارية فى شنجهاى، كير جيبز، فى حوار صحفى أجراه مع “سى إن إن” الأسبوع الماضى “الشركات الأمريكية مازالت تتطلع للتعامل مع الصين ولا أظن أن الرؤساء التنفيذيين يفضلون الانفصال التام عن الصين كخيار متاح”.
ويبدو أن هذه المخاطرة مجزية بالنسبة لهذه الشركات فقد قالت 77% من الشركات المشاركة فى استطلاع “آم تشام” السنوى أنها حققت أرباحا بالتعامل مع الصين فى عام 2018، وقال نصف المشاركين أنهم يتوقعون زيادة التستثمار فى الصين هذا العام، مقارنة بما يقارب ربع المشاركين الذين قرروا تقليص حجم استثماراتهم هناك.
وقال جايمى ديمون الرئيس التنفيذى لبنك “جى بى مورجان” لبلومبرج فى شهر مارس الماضى، إن الصين ستصبح دولة متقدمة خلال 3 عقود وسيصبح اقتصادها بحجم الولايات المتحدة، لكنه ذكر عدة تحديات قد تواجهها الشركات فى الصين ومن بينها الفساد وقلة الشفافية، وأكد جايمى أن البنك ملتزم بالقيام بأعمال تجارية فى الصين.
وأشار ويليام رينش وهو باحث فى الأعمال التجارية الدولية فى مركز الدرسات الاستراتيجية الدولية بواشنطن إلى الحجم الهائل للسوق الصينى وهو أمر لا يمكن للعديد من الشركات تجاهله، وأضاف ويليام: “لا يمكن أن تصبح شركة عالمية متعددة الجنسيات بدون ترسيخ أساس ما لها بطريقة أو بأخرى فى بلد لديه حوالى 1.2 مليار شخص”.
وحتى الشركات التى يمكن لها أن تخترق السوق الصينى قد لا تتمكن من أخذ حصة كبيرة من السوق كما فى حالة “باى بال” التى لن تحتل سوى جزءاً ضئيلاً من سوق المدفوعات الرقمية بالنسبة لباقى المنافسين مثل “على بابا” و”تنسنت”، لكن وجود أساس لها مهم على أى حال.
وقال ويليام: “إذا افترضنا أن الشركات لن تأخذ أكثر من 3% من السوق المحلى، فإن 3% بالنسبة لإجمالى السوق فى الصين مازال مكسباً كبيراً”، مع أن بكين قلصت من قيودها على بعض أنواع الاستثمار الأجنبى، لكن تخطى القيود التنظيمية مازال أمراً صعباً، ويذكر أن كبرى الشركات الأمريكية مثل”ماستر كارد” و”فيزا” مازالت خارج السوق الصينى ويعنى قبول “باى بال” أن الصين واثقة من سيطرة الشركات المحلية على السوق، ولكن هناك عدة تحديات أخرى ستواجه الشركات.
فقد قلص تباطؤ النمو الاقتصادى للصين الناتج عن الحرب التجارية الثقة بالاقتصاد ولن تتعافى الصين بهذه السهولة فقد كان تباطؤ النمو الاقتصادى هو السبب الرئيسى وراء تقليص أو تأجيل 53% من المشاركين فى استطلاع “أم تشام” لاستثماراتهم.
ويبحث بعض المنتجين الأمريكيين عن بدائل أخرى مثل فيتنام بسبب ارتفاع تكاليف العمالة فى الصين، وهناك بعض الشركات التى مازالت تعمل فى الصين حتى الآن مثل تسلا ووال مارت، ولكن هناك شركات أخرى تعلق قراراتها فى الصين بشكل مؤقت.
وألقت المظاهرات الجارية المؤيدة للديمقراطية فى هونج كونج بظلالها على خطر أخر يهدد الشركات الأمريكية وهو الصدام الفكرى بينهم وبين الحزب الشيوعى الصينى، وتسببت تغريدات مدير تنفيذى فى دورى كرة السلة الأمريكية “إن بي إيه” لكرة السلة فى الولايات المتحدة جدلا واسعا عندما أيد تظاهرات هونج كونج التى تخضع لسيطرة بكين.
وقد أدى هذا الجدل إلى تعليق شركاء “ان بى ايه” الصينيين الرسميين للعلاقات، وإن لم تستعد “ان بى ايه” علاقاتها بالصين فقد تتأثر سلبا من الناحية المادية، حيث أن السوق الصينى يشكل 10% من عائدات الدورى وقد تصل هذه النسبة إلى 20% بحلول 2030.
وأشار الخبير رينش أن هذا الموقف يوضح استغلال الصين لقوتها الاقتصادية من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وأضاف رينش: قائلاً: “من الواضح أن بكين تحاول فرض سيطرة الحزب الشيوعى على حياة الناس محلياً بل ودولياً من خلال الرقابة وهذا يضيف عنصراً خطيراً للشركات الأجنبية ويجرها إلى السياسة وهذا ما تحاول الشركات تجنبه”.
وأعلن اتحاد “إن بى ايه” يوم الجمعة الماضية، أنه ألغى التغطية الإعلامية للفرق لأن ما تبقى من الدورى سيكون فى الصين هذا الأسبوع، وكان رد فعل الاعتراف المبدئى هو الاعتراف بأن آراء المدير الفنى قد أساءت لجميع أصدقائها ومشجعيها فى الصين وهو أمر مخيب للآمال، وتلقى هذا التعليق انتقاداً من جانب الولايات المتحدة، كما تعرضت شركة “أكتيفيشن بليزرد” لحملة مقاطعة من المستهلكين الغربيين بسبب إقصاء لاعب فى هونج كونج من المسابقة.
وأضاف رينش: “وفى حالة الشركات الأمريكية، فإن أفعال الصين تحصرهم بين المطالب الصينية التى تريد منهم التماشى مع رؤيتهم للواقع وبين توقعات الولايات المتحدة التى تتوقع منهم الوقوف مع الحرية وحقوق الإنسان وهذا ليس موقفاً مريحاً”.
كتب – يحيى وليد