منذ عام 2010، كان النمو الاقتصادى فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل أسرع بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات من الدول ذات الدخل المرتفع.
وتتواجد كافة الاقتصادات العشر ذات أعلى معدلات نمو متوقعة خلال الأربعة أعوام المقبلة فى أفريقيا أو جنوب شرق آسيا، كما أن اﻷسواق الناشئة فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ستستحوذ فى السنوات القادمة أيضاً على النصيب اﻷكبر من النمو السكانى العالمى، بجانب التوسع غير المسبوق فى الطبقة الوسطى.
ومن المقرر أن تؤدى الأسواق الناشئة إلى ارتفاع مستوى الإنفاق الاستهلاكى، نظراً لعدد سكانها اﻷصغر سناً واﻷكثر ازدهاراً، كما أن الإنفاق الحقيقى المعدل وفقاً للتضخم سينمو بمعدل 3 أضعاف فى الدول المتقدمة، بفضل التوسع المستمر فى الاتصال عبر شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة.
وتخاطر الشركات التى تتجاهل هذه الفرص بفقدان عقود من العائدات المستقبلية.
ومع ذلك، تفرض الأسواق الناشئة تحديات هيكلية كبيرة على الشركات متعددة الجنسيات ذات الاقتصاد المتقدم، حيث تبرز أربعة قضايا رئيسية، وهى: الافتقار للبنية التحتية المادية ونقص البيانات والاعتماد على الشبكات الشخصية وعدم اليقين المتعلق بالسياسات واﻷنشطة غير الرسمية.
وفى الوقت الذى يتسارع فيه الاستثمار بالبنية التحتية للنقل عبر اﻷسواق الناشئة، من المحتمل استمرار وجود الفجوات الكبيرة، فالطلب يفوق العرض مدفوعاً بارتفاع النمو السكانى والتحضر.
وفى أفريقيا، حيث يتراوح إجمالى فجوة الاستثمار فى البنية التحتية بين 68 و108 مليار دولار سنوياً، تدفع الشركات أموالاً أكثر للقيام بأعمال تجارية، أما فى نيجيريا، فتعانى أكثر من ثلاثة أرباع الشركات هناك من انقطاع التيار الكهربائى، مما يكلفها أكثر من 15% فى المتوسط من المبيعات السنوية.
وفى حين أن جميع الشركات تحتاج إلى بيانات للاستثمار واتخاذ القرارات التشغيلية، لا يمكن الاعتماد على الإحصاءات الرسمية فى الأسواق الناشئة دائماً، خاصة أن الأجندات السياسية غالباً ما تشوهها، فعلى سبيل المثال، عانت باكستان من تأخر إحصاء السكان المقرر إجراؤه عام 2008 لمدة 9 أعوام، وعندما أجرى فى النهاية واجه العديد من المشاكل.
وعلى نطاق أوسع، تكافح كافة الدول النامية التى تعانى من النمو السكانى السريع من أجل توفير بيانات إحصائية منتظمة وموثوق بها، فعلى سبيل المثال، أجلت أثيوبيا مؤخراً عملية إحصاء كان من المقرر إجراؤها فى عام 2017 للمرة الثانية نظراً لمعاناتها من صراع عرقى قبل الانتخابات المقبلة المقررة فى مايو المقبل.
وبالتالى، إذا لم تتوفر البيانات الضرورية، تكون العلاقات هى المفتاح، فالاتصالات الموثوقة والمعرفة الوثيقة بالأسواق المحلية تعتبر من الأمور الحاسمة لنجاح العمليات التجارية.
ويبدو أن النمو الاقتصادى السريع ليس مستقراً ولا سلساً، ويجب على الشركات متعددة الجنسيات التنقل فى بيئات سياسية غير مؤكدة، كما أن هناك تداخل ملحوظاً بين الدول التى تتمتع بأعلى معدلات نمو اقتصادى وتلك التى تعانى من ارتفاع مستويات المخاطر السياسية.
علاوة على ذلك، يسود عدم اليقين فى الدول ذات العمليات السياسية المتخلفة والتغييرات المستمرة فى مجلس الوزراء والفساد المستشرى والاعتماد على السلع الأساسية واحتمالية الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومات غير الموثوق فيها.
وأخيراً، يجب على الشركات متعددة الجنسيات التنقل فى القطاع غير الرسمى الذى لا يزال يهيمن على الأسواق الناشئة، ويمثل أكثر من 60% من الناتج المحلى الإجمالى فى بعض المناطق، حيث يعمل أكثر من 85% من العمالة فى أفريقيا وأكثر من 65% فى آسيا والشرق الأوسط بالقطاع غير الرسمى.
ويعد حشد العمالة والقوة الشرائية فى سوق ما عاملاً أساسياً لنجاح الشركات متعددة الجنسيات، ولكن التنقل فى بيئة يختفى فيها معظم النشاط الاقتصادى عن الرقابة التنظيمية والمؤسسية يحتاج الإبداع والمعرفة المحلية العميقة.
وعلى الرغم من أن هذه التحديات الأربعة تتطلب من الشركات مطالب مختلفة، فإنها تشير جميعها إلى الحاجة للمرونة والاستراتيجية.
وسوف تستثمر الشركات الذكية فى الشركات الفرعية المحلية بدلاً من محاولة الحفاظ على سيطرة مركزية قوية، كما أنها ستعتمد على تقنيات الهاتف المحمول للتواصل مع المستهلكين وبناء الجسور مع القطاع غير الرسمى.
وتوجد أمثلة جيدة تبرز نجاح الشركات الجديدة التى تركز على مبيعات الأسواق الناشئة الكبيرة، حيث تعرض الشركات الناشئة مثل “فرونتير كار جروب” المهارات والهيكل اللازم للنجاح فى أسواق متنوعة مثل نيجيريا وتشيلى والمكسيك وباكستان وإندونيسيا.
وأدركت “فرونتير كار جروب” عدم وجود طريقة فعالة لبيع سيارة واحدة رغم الطلب المتزايد بشكل سريع على السيارات المستعملة فى الأسواق الناشئة، لذلك أطلقت تطبيقاً متعدد المنصات يربط البائعين بالتجار.
ولمواجهة الطبيعة غير المنظمة وغير الرسمية إلى حد كبير فى سوق السيارات المستعملة، أنشأت هذه الشركة شبكة من مراكز التفتيش، حيث تخضع المركبات لفحص خاضع لإشراف التطبيق قبل إدراجها فى مواقع الشراء، وتُسعر السيارات بشكل مناسب فى أقل من 45 دقيقة، وبالتالى يمكن للتجار شراء السيارات بثقة تامة.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت الشركة هيكلاً للشركات يناسب تماماً التوسع السريع فى الأسواق الناشئة مع بيئات الأعمال المختلفة تماماً.
ورغم أن التكنولوجيا الأساسية والعمليات والتمويل والتسويق وعمليات المنتجات نفذت من مقر الشركة فى برلين، إلا أن الشركة تدخل كل سوق جديد كشركة ناشئة، مما يمنح الشركات الفرعية التابعة لها الاستقلالية اللازمة للتكيف مع المتطلبات الفريدة لكل سوق.
وتعمل هذه الاستراتيجية جيداً ﻷن “فرونتير كار جروب” حققت نجاحاً فى تحديد رواد اﻷعمال ذوى البصيرة والسجلات الحافلة بالإنجازات فى أسواقهم المحلية، فعلى سبيل المثال، عمل إتوب إكبى، الرئيس التنفيذى للشركة النيجيرية Cars45 التابعة لـ”فرونتير كار جروب”، لدى العديد من شركات التجارة الإلكترونية الناجحة وبالتالى فهو يحظى بسمعة جيدة فى مجتمع رجال اﻷعمال.
ومن المؤكد أن استخدام “فرونتير كار جروب” لتكنولوجيا الهواتف الذكية يجعلها مثالية تماماً للأسواق التى يتمكن معظم مستخدمى شبكات الإنترنت فيها من الوصول إليها عبر الهاتف المحمول، فالشركة تتمتع بموقف جيد للاستفادة من دخول الهاتف المحمول السريع إلى اﻷسواق الناشئة وكذلك الشركات غير الرسمية القائمة.
ويساعد النهج اللامركزى للشركة فى وقايتها من الصدمات السياسية، فى حين أن استخدامها للمديرين التنفيذيين المحليين يتيح لها التنقل فى الأسواق غير المستقرة، كما لاحظ المستثمرون الخارجيون أن فريق “فرونتير كار جروب”، البالغ من العمر 3 أعوام، استطاع جمع نحو 90 مليون دولار فى جولة التمويل الثالثة العام الماضى.
ومن المؤكد أن نهج “مقاس واحد يناسب الجميع” ليس مناسباً للنجاح فى اﻷسواق الناشئة، ولكن من الواضح أيضاً أن البنية التحتية المحورية للشركات متعددة الجنسيات تجعلها غير مجهزة تجهيزاً كاملاً لاغتنام الفرص فى الأسواق الناشئة، وبالتالى تقوم الشركات المبتكرة مثل “فرونتير كار جروب” بإنشاء مخطط جديد يجب على الشركات متعددة الجنسيات فى السوق المتقدمة دراسته بتمعن شديد.
بقلم: أوبرى هروبى، الزميلة فى مركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسى
المصدر: موقع “بروجيكت سنديكيت”
إعداد: منى عوض
