يجب أن يدرك المستهلكون أن المياه أصبحت شحيحة بشكل متزايد، ولكن توجد تحديات فى توصيل هذه الرسالة المهمة إليهم.
وإذا كان عليك وضع سعر حقيقى لإبريق من ماء الصنبور النظيف، فماذا سيكون؟ لا شىء أو قليل، لأن الوصول إليه حق من حقوق الإنسان ولكن إذا كانت الصنبور جافة فإنها تصبح سلعة لا تقدر بثمن.
ولا يوجد شك فى أنه إذا تم إجبار البشرية على وضع سعر حقيقى للمياه بقيمته البيئية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية فهذا قرار يقدم أولوية الحياة على أشياء أخرى.
الماء يصرخ من أجل التلخلص من البلاستيك فى المحيطات وتنظيف مسار دورة حياة قطرة المياه والتخلص من أسطورة الوفرة على نطاق عالمى باعتبار وجودها أمراً مفروغاً منه.
ونقل تقرير صحيفة «ذا تايمز» البريطانية عن «بيتر جليك”، مؤسس معهد المحيط الهادئ قوله إن العالم الآن يعيش «ذروة المياه»، حيث يضغط على أكثر الموارد النفيسة ويلوثها وينسفها وهو يحتاج إلى تغيير أساسى فى طريقة تفكيره فى المياه.
ويأتى هذا فى وقت تواجه فيه البشرية عاصفة كاملة من تسرب المياه وهدرها والمزيد من المبيدات الحشرية والأسمدة الملوثة مما يؤدى إلى تضخم أعداد البشر الذين يفتقرون إلى المصادر الآمنة وتقديم المياه المليئة بالعوامل الممرضة بجانب المزيد من صفر المياه اليومية التى تصل إلى الأسر من مدن كبرى حول العالم مثل تشيناى فى الهند وكيب تاون بجنوب أفريقيا.
وترفض الحكومات الإفصاح عن أن المياه شحيحة بشكل متزايد بسبب زيادة الطلب والرغبة فى الحفاظ على المنفعة بعدم الإعلان عن أنه لا يوجد ما يكفى من المياه لتطوير الاقتصاد أو الأعمال.
ويعتقد «ويل سارنى”، الرئيس التنفيذى لمؤسسة «مسبك المياه» أنه لا فائدة من أسلوب إدارة المرافق المائية بإخفاء الحقائق مع العمل على زيادة معدلات الإنتاج لتعزيز عملية حفظ المياه من الهدر وإعادة الاستخدام ما لم يتم تنظيم ذلك.
ويضيف تقرير الصحيفة البريطانية أن الحصول على المياه النظيفة منصوص عليه فى قرار للأمم المتحدة، لكن فى نفس الوقت يتم إساءة استخدام هذا الحق.
وحتى الآن، يوجد أيضاً نقص مزمن فى الاستثمار بالبنية التحتية، وتقدر منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الحاجة إلى تريليون دولار من الاستثمارات السنوية فى حين أن القطاع لا يجذب التمويل الخاص نظراً لأن العوائد منخفضة.

ووصفت «مونيكا ويبر-فهر» الرئيس التنفيذى للشراكة العالمية للمياه عملية إدارة المياه عالمياً بالغبية وذلك لأن العديد من أزمات المياه التى يواجهها العالم الآن هى نتيجة لسوء الإدارة ونقص البيانات حيث تعتبر حوكمة المياه وملكيتها موضوعين حساسين لأنها تشمل العديد من اللاعبين.
ويفسر «روث ماثيوز”، المدير الأول بمعهد ستوكهولم الدولى للمياه الفشل وسوء الإدارة بأنه اللجوء إلى إدارة المياه بمعزل عن غيرها، وعدم الأخذ فى الاعتبار الروابط بين الأرض والمياه العذبة والسواحل والمحيطات.
وأشار إلى الحاجة لمساءلة الحكومات والشركات والأفراد عن المياه التى يستخدمونها والاستماع إلى أصوات أولئك الذين يتم تجاهلهم غالباً والفقراء والضعفاء والسكان المحليين والبيئة.
الابتكار فى السياسة العامة يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً فى دفع التغيير ويمكن النظر إلى كيف تدير كل من سنغافورة وهولندا كل قطرة لديها ويعد الحفاظ على المياه وإعادة استخدامها أمراً مدعوماً من خلال التسعير لديهما، والعمل على تطوير مستقبل المياه الرقمية أيضاً حيث تعمل تقنيات المياه الآن على تغيير الواقع كما فعلت فى قطاع الطاقة.
والكثير من المشاكل لا تتطلب حلولاً تقنية فحسب، بل تحسينات فى الإدارة الحقيقية والابتعاد عن التفكير القديم ولجوء المؤسسات إلى إدارة أكثر فعالية وإنصافاً للمياه.
ويعتبر الوقت هو جوهر المسألة فوفقاً للأمم المتحدة، من المتوقع أن يكون هناك نقص بنسبة 40% فى موارد المياه العذبة بحلول عام 2030 وبحلول عام 2050، قد تنخفض معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى بنسبة %6 بسبب الآثار المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة والدخل، مع خسارة 4.5 تريليون دولار وفقاً للبنك الدولى.
ويقول «توم ويليامز» مدير المياه فى البنك الدولى إنه إذا فهم العالم الحجم الحقيقى للمخاطر والعواقب الاقتصادية اللاحقة عندما تؤثر المياه على النشاط البشرى، فربما يقدرها أكثر ويتخذ قرارات اقتصادية وتنموية وتجارية مستنيرة بشأن المياه.
ويرغب المستثمرون الآن فى الحصول على مزيد من المعلومات حول كيفية قيام الشركات بالإفصاح عن المخاطر المتعلقة بالمياه لأعمالهم.
وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك فى تسليط الضوء على نسبة الإيرادات التى تتعرض لمخاطر متعلقة بالمياه ويظهر تأثير مخاطر المياه أيضاً على الخطوط الأساسية للشركات.
ومن المؤكد أن العالم أصبح أكثر ذكاءً فى حساب السعر الحقيقى لاستخدام المياه من حيث الاستخراج والمعالجة والنقل، وكذلك استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون المرتبطة بها، وهذا يمهد الطريق للاقتصادات والتجارة العالمية ويعنى حساب دقيق لقيمة هذه السلعة الثمينة.
وفى الوقت المناسب، يمكن أن يساعد ذلك فى زيادة الطلب على التمويل بمشاريع المياه، وهو ضعيف حالياً بينما يكون عدد المشروعات القابلة للتمويل صغيراً.
وتوجد حاجة إلى التطور فى كيفية تمويل البنية التحتية للمياه والابتكار وتغيير النهج التقليدية من قبل القطاع العام أو رأس المال الاستثمارى وخلق تمويل مختلط من رأسمال منخفض وعالى المخاطرة ورأسمال صبور لدعم رواد الأعمال فى مجال المياه.
ويعد الإشراف على قضايا المياه فى العديد من الحالات وظيفة ومسئولية اجتماعية للشركات ولا ينظر إليها على أنها مخاطر تجارية فهناك حاجة إلى التعامل مع المياه كفرصة للقطاع الخاص.