تشتهر محافظتا كفر الشيخ والمنوفية بأنهما محافظتان زراعيتان، لكن ربما لا يعرف كثيرون أن المحافظتين خلقتا صناعة مكنتهما من دخول الأسواق العالمية.
فمدينة فوه بكفر الشيخ، وقرية ساقية أبو شعرة بالمنوفية، منذ بزوغ نجميهما فى سبعينيات القرن الماضى محليًا وعالميًا، يطلق عليهما قلاع السجاد اليدوى فى مصر.
كانت البداية بإنتاج أنواع محدودة من السجاد بأسعار رخيصة.. لكن سرعان ما تطورت الصناعة، وأدخلت الحرير فيها مع بعض اللمسات الجمالية.
لذلك شقت طريقها إلى بعض الدول الخليجية، واستقرت فى مقار الحكم وقصور الأمراء، لدرجة أن سعر بعض أنواع السجاد يتخطى مليون جنيه بحسب الصناع.
«البورصة» تحدثت لأرباب المهنة فى مدينة فوه وساقية أبو شعرة بالمنوفية، لمعرفة كيف بات وضع صناعة السجاد اليدوى حاليًا، خصوصا فى ظل التطور التكنولوجى الذى طرأ على الصناعة مؤخرًا.
قال الحبشى شمس الدين، صاحب أحد مصانع السجاد اليدوى بمدينة فوه، إن تراجع الطلب على السجاد اليدوى فى السوق المحلى والتصديرى تسبب فى توقف أكثر من 8 أنوال بالمصنع وتسريح عدد كبير من العمالة.
أضاف لـ»البورصة» أن المصنع كان يصدر لـ5 دول عربية وخليجية من بينها سوريا، واليمن، وقطر.. إلا أن الأحداث التى مرت بها البلاد منذ 2011 وحتى الآن أدت إلى توقف التصدير بشكل كامل.
وأوضح أن السجاد اليدوى أصبح غير مرغوب فيه من جانب السوق المحلى، نظرًا لارتفاع سعره مقارنة بالسجاد الآلى، فضلا عن اللمسات الجمالية التى أدخلتها التكنولوجيا عليها.
والسجاد اليدوى كان يعتمد على الحرير فى عملية التصنيع.. لذا فإن ارتفاع سعره خلال السنوات الماضية وعدم توافره فى السوق المحلى أدى إلى تدهور الصناعة.
وأوضح أن الصين استطاعت فى ظل ارتفاع أسعار المواد الخام، أن تغزو السوق المحلى، لافتا إلى أنها أصبحت أحد أبرز الدول المنتجة للسجاد اليدوى بجانب تركيا وإيران.
وأشار إلى أن عدد العاملين بالمهنة حاليًا بمدينة فوه لا يتجاوز 900 شخص، فى حين أن نحو %70 من سكان المدينة كانوا يعملون بها، لكن ارتفاع الخامات وقلة الطلب أدى إلى خروج عدد كبير منها فضلا عن عدم الرغبة فى تعلمها.
وتبدأ أسعار السجاد اليدوى من 6 آلاف جنيه وتصل حتى مليون جنيه للسجادة المصنوعة من الحرير ذات المساحة الكبيرة.
وقال أحمد أبو الحسن صاحب مصنع سجاد يدوى، إن صناعة السجاد كانت تشهد انتعاشًا طفيفًا فى فصل الشتاء خلال السنوات الماضية، لكن مع مرور الوقت تحولت إلى ديكور، ولا يقبل على شرائها إلا الفئة مرتفعة الدخل.
وأضاف أن المصنع يعمل بنحو %30 من الطاقة الإنتاجية منذ أكثر من 7سنوات، إذ يتراوح الإنتاج الحالى بين 50 سجادة سنويًا بأحجام مختلفة مقابل 200 سجادة فى مطلع الألفينيات.
وأشار إلى أنه يورد إنتاجه إلى عدد من المناطق السياحية، منها الغردقة، وشرم الشيخ، بجانب الأماكن السياحية فى مصر من بينها شارع خان الخليلى فى قلب القاهرة، ومنطقة الأهرامات بالجيزة.
أكد أبو الحسن، أنه يعمل فى المهنة منذ أكثر من 30 عامًا، وكانت الدولة توليها اهتمامًا كبيرًا من خلال إقامة معارض خارجية دائمة، وتوفير الخامات محليًا، إلا أن ظهور السجاد الآلى مع بقاء المهنة دون تطوير أصبحت فى مأزق كبير.
وطالب الحكومة، بمساندة الصناعة من خلال إنشاء منطقة صناعية متخصصة فى السجاد اليدوى بمدينة فوه، وعمل مركز لتسويق المنتج.. الأمر الذى يمكن المصانع والورش من العودة إلى سابق عهدها كما كانت فى الماضى.
وقال كريم محمد صاحب مصنع سجاد بساقية أبو شعرة، إن أغلب العاملين فى الصناعة من كبار السن. وحال استمرارها فى هذا الطريق فإن انهيارها سيكون حتميًا خلال السنوات المقبلة.
أضاف محمد لـ «البورصة» أن صناعة السجاد اليدوى هى تراث قومى قبل أن تكون مشروعا الهدف منه تحقيق الربح، مشيرًا إلى أن الدول التى دعمت الصناعة تقدمت وحققت ازدهارًا، مستشهدًا بتركيا وإيران اللتين كانت تتفوق عليهما مصر.. إلا أنهما باتتا أكبر دولتين منتجتين للسجاد اليدوى عالميًا.
وأشار إلى أن صناعة السجاد اليدوى فى حاجة إلى دعم حقيقى من الدولة، وليس محاربتها من أجل توفيق أوضاعها، ودفع الضرائب فقط.
قال محمد، إنه يعمل فى الصناعة منذ ما يقرب من 30 عامًا، ولم يكن يتخيل أن تتدهور حتى تصل إلى هذا الوضع من تراجع عملية الشراء، وارتفاع أسعار المادة الخام.
وتابع» كنت أمتلك مصنعا على مساحة 2000 متر مربع، يعمل فيه أكثر من 30 عاملا.. إلا أن توقف التصدير وتراجع البيع منذ 2010 أدى إلى تحويل نصف المصنع إلى مخازن تجارية».
أضاف أنه قام بتسريح جميع العمالة تدريجيًا حيث أن الطاقة الإنتاجية للمصنع لا تتجاوز 30 سجادة كل 6 أشهر، ويعتمد على أسرته فى مساعدته.
وبالمثل يرى أشرف وليد، صاحب مصنع بالقرية نفسها، أن السوق المصرى أصبح غير واعد فى هذه الصناعة، وأغلب العاملين فيها يقاومون من أجل استمرارها لصعوبة تأقلمهم فى صناعة أخرى جديدة.