“جولدمان ساكس”: معالجة أزمة الدين العام.. التحدى الأكبر للحكومة
عندما وافق الكونجرس البرازيلى، على إصلاح تاريخى للمعاشات التقاعدية أواخر شهر أكتوبر الماضى بعد أكثر من عقدين من المراوغة، هتفت مجموعات رجال الأعمال وبدأ المستثمرون يتساءلون عما إذا كانت حكومة الرئيس جير بولسونارو، اليمينية المتطرفة، قدمت أجندة طموحة لإنعاش أكبر اقتصاد فى أمريكا اللاتينية.
وقال وزير المالية البرازيلى باولو غويديس، فى مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن كل شىء يتم وضعه فى المكان الصحيح، مؤكداً وجود سياسة جديدة.
وبينما تبدأ نافذة إصدار تشريعات رئيسية قبل الانتخابات البلدية لعام 2020 فى الإغلاق، يتساءل مراقبو البرازيل ما إذا كان يمكن لحكومة بولسونارو، تنفيذ ما تبقى من برنامج الإصلاح، أو ما إذا كانت البلاد ستستسلم مجددًا لعادتها الدائمة المتمثلة فى المستثمرين المحبطين.
وقال وليام جاكسون، كبير الاقتصاديين فى الأسواق الناشئة لدى “كابيتال إيكونوميكس”، إن المستثمرين تحدثوا عن لعبة جيدة للغاية بشأن الإصلاح، لكن يبدو أنه منذ مرور إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، نمت بعض الرياح المعاكسة.
وبالنسبة لكثير من الناس فى جميع أنحاء العالم، ترتبط السياسة الجديدة فى البرازيل، بهجمات بولسونارو الصريحة على حماية حقوق المثليين، أو دعوته لإنهاء المشاكل الاجتماعية المزمنة فى البرازيل منذ توليه منصبه العام الحالى، وكان كثيرون فى مجتمع الأعمال البرازيلى، أكثر تركيزًا على الإصلاحات الاقتصادية الناشئة التى اقترحتها الحكومة مؤخرًا، وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن التفاؤل فى بعض الأوساط كان واضحًا حتى لو ظل النمو الاقتصادى ضعيفًا.
وقال رئيس مجموعة “فيسيب” الصناعية القوية فى ساو باولو، باولو سكاف: “إننا نشهد نمواً جيدًا دون أن تضخ الحكومة الأموال، إذ ولدت برازيل جديدة، فلأول مرة منذ 70 عامًا نزرع بمفردنا دون تدخل من الحكومة”.
ولكن بعد أسابيع من أعمال الشغب فى تشيلى، أثناء التعبير عن الغضب الممتد من الخدمات العامة غير الكافية والأجور المنخفضة، وبعد أن أحرق المتظاهرون المقنعون محطات المترو فى سانتياغو، ونهبوا متاجر” السوبر ماركت”، واقتحموا الكنائس، ورشقوا رجال الشرطة بالقذائف.. بعد كل ذلك يبدو أن بولسونارو، لديه أفكار جديدة حول مدى صعوبة دفع الإصلاحات التى لا تحظى بشعبية.
ومن خلال مراقبة الانتخابات البلدية المرتقبة، ودعمه الانتخابى المتقلب، أرجأ الرئيس البرازيلى أحد الإصلاحات الرئيسية التي قام بها وزير المالية، حتى العام المقبل، وهى عبارة عن إصلاح لشروط وأحكام الموظفين الفيدراليين المدللين فى البرازيل الذين يتمتعون بوظائف مضمونة مدى الحياة، بالإضافة إلى الترقيات للأقدمية بغض النظر عن الأداء.
وينكر المسئولون الحكوميون، أن أعمال الشغب فى تشيلى أو الهزيمة الفادحة في انتخابات أكتوبر بالأرجنتين لحليف بولسونارو، الرئيس موريسيو ماكرى، أثرت على اعتباراتهم، ومازال غويديس، مصممًا كما كان دائمًا على تطبيق تغييراته الشاملة.
لكن، كما يقول المدير التنفيذى لغرفة التجارة الدولية فى البرازيل، غابرييلا دورلياك: “تشيلى والأرجنتين إشارة واضحة جدًا على أنه إذا أريد للإصلاحات أن تنجح، فإن الناس بحاجة إلى الغذاء على الطاولة”، وبالإضافة إلى الإصلاح الإدارى يتركز الاهتمام فى البرازيل على التشريعات المتبقية، إذ يتضمن ذلك تبسيطًا شاملاً للنظام الضريبى فى البلاد، وهو مطلب رئيسى للأعمال التجارية منذ فترة طويلة.
وقال المشرع من الحزب الاجتماعى الليبرالى، جوس هاسيلمان، إن أعمدة الإصلاحات تمثلت فى معاشات التقاعد والضرائب والفواتير الإدارية.
وأضاف:”إذا لم تتم الموافقة على القوانين الضريبية والإدارية، فإن خطط الحكومة الخاصة بجدول أعمال الإصلاح ستكون مهددة”، وأوضح أحد كبار المشرعين المؤيدين للإصلاح ،أنه من السابق لأوانه القول بأن الإصلاحات الإضافية ماتت، إذ إن تأجيل الإصلاح الإدارى يظهر حذرًا سياسيًا لعدم رغبة الرئيس فى تقديم كثير من الإصلاحات الجدلية فى الوقت نفسه.
وهناك إصلاح حكومى آخر لا يحظى بشعبية، والذى من شأنه أن يشهد فرض تدابير تقشف تلقائية إذا تخطت البلديات والولايات المشهورة فى البلاد، أقصى مستويات الاقتراض، مما سيؤدى إلى حدوث “طوارئ مالية” من شأنها تجميد الرواتب والتوظيف.
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن العديد من البرازيليين يوافقون على الحاجة إلى تقليص الامتيازات الضخمة للعاملين فى القطاع العام، وتبسيط اللوائح فى بلد يحتل المرتبة 124 فى تصنيف البنك الدولى، لمؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال.
وتظهر الصورة الاقتصادية أيضًا الحاجة إلى العمل، إذ لايزال النمو بطيئاً، ومن المتوقع أن يسجل 1% فقط العام الحالى، وأكثر من 2% العام المقبل، ولم يتم دعم هذه التوقعات بإعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يوم الاثنين ، أنه سيعيد فرض تعريفة على واردات الألومنيوم والصلب من البرازيل والأرجنتين.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لاتزال المالية العامة غير مستقرة، إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالى الإجمالى حوالى 6.5% العام الحالى، ويقترب إجمالى ديون القطاع العام من 80% من الناتج المحلى الإجمالى، وأوضح بنك “جولدمان ساكس” أن معالجة ديناميات الدين العام غير المستدام ، تبقى دون شك التحدى الأكبر الذى يواجه كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية فى البرازيل.
وفى الوقت الذى يثنى فيه بعض المستثمرين على غويديس، لجرأة خططه، فقد تعرض لانتقادات شديدة بسبب سوء التقدير السياسى، وقال الرئيس السابق فرناندو هنريك كاردوسو: “لقد نجحنا فى استعادة الديمقراطية فى البرازيل، وعلينا أن نقاتل للحفاظ عليها”.