وضعت رئيس المفوضية الأوروبية الجديدة، أورسولا فون دير لين، مواجهة فقدان الاتحاد الأوروبي القدرة التنافسية ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية والتصنيع الصيني المتطور بشكل متزايد، على رأس جدول أعمالها.
ووعدت، فون دير لين، التي تولت منصبها الشهر الحالي، بطرح استراتيجية صناعية متجددة للكتلة الموحدة بحلول شهر مارس المقبل.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يتخلف فيه الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة وآسيا في العديد من المجالات المتطورة.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن هذا التخلف يعني أن الكتلة الموحدة قد تفقد حصة أكبر من التصنيع العالمي، وخصوصا التقنيات الحديثة، مثل إنترنت الأشياء واستخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.
لكن بدأت المحركات تدور بالفعل، إذ وافق الاتحاد الأوروبي الشهر الحالي، على إنشاء صندوق بقيمة 3.2 مليار يورو لتعزيز البحث والتطوير في قطاع البطاريات، وهو أحد الصناعات المهمة التي ستسعى الاستراتيجية الجديدة لتعزيزها.
ومع ذلك، فإن الطريق نحو إنشاء بطل صناعي أوروبي، لا يزال طويلا، فالكتلة الموحدة لا تلعب سوى دور هامشي في الإنتاج العالمي.
وأطلقت المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي، “الصفقة الخضراء لأوروبا”، وهي خطة لنزع الكربون عن الصناعات والمجتمعات الأوروبية، ووضع الكتلة الموحدة في طليعة التكنولوجيات منخفضة الكربون.
وتبحث “فاينانشيال تايمز”، البيانات لمعرفة أين يقف الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى المناطق الأخرى؟ وأين يمكن أن تعزز الاستراتيجية الصناعية الجديدة قدرة القارة العجوز على المنافسة؟
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن أوروبا ليست لاعباً كبيراً في العديد من الصناعات سريعة النمو، وخصوصا بعد أن صعدت شركات التكنولوجيا إلى القمة خلال العقدين الماضيين، لتصبح من بين أكثر الشركات قيمة في العالم.
لكن أيا منها ليس أوروبيًا، إذ تهيمن الشركات الأمريكية والكورية الجنوبية والصينية على القائمة.
وذكرت الصحيفة، أن الوجود الأوروبي ضئيل للغاية في قطاع البرمجيات وخدمات الكمبيوتر. وأسواق الاتحاد الأوروبي الـ 28 لديها عدد أقل من الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار، مقارنة بالولايات المتحدة.
وأوضحت أن هذه علامة مثيرة للقلق، إذا أرادت بروكسل معالجة الفجوة في الرقمنة الصناعية إذ يحذر الخبراء من أن التبني البطيء للتقنيات الرقمية الحالية، يمكن أن يضع أوروبا في موقف ضعيف مع التقنيات الحديثة.
وتراجعت أوروبا من قبل، إذ كانت المنطقة منتجًا رائدًا للخلايا الشمسية أوائل عام 2000، لكنها خسرت السباق بعد صراع تجاري طويل مع الصين، عندما قدمت العديد من شركات الاتحاد الأوروبي شكاوى ضد بكين بسبب الممارسات غير العادلة.
وواصلت الصناعة الأوروبية نموها بمعدل سنوي بلغ حوالي 40% في السنوات الـ 15 الماضية، وأصبحت القارة العجوز منتجًا أصغر لخلايا البطارية مقارنة بالمناطق الأخرى.
وفى الوقت الحالى ترغب أوروبا فى منع حدوث الشيء نفسه في صناعة البطاريات الناشئة، مما دفع المنطقة إلى إنشاء صندوق البطاريات الجديد في الاتحاد الأوروبي.
يأتى ذلك فى الوقت الذى لا توجد فيه شركة أوروبية تبرز بين أكبر المنتجين في العالم لخلايا البطارية، إذ تمثل الصين أكثر من نصف الإنتاج العالمي.
لكن المنطقة الأوروبية لا تزال لديها نقاط قوة يمكنها البناء عليها.
ورغم هذه التحديات، يتمتع القطاع الصناعي في الاتحاد الأوروبي بالعديد من نقاط القوة. فالشركات الأوروبية من بين الأكثر تطوراً في العالم في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية ومنها الأدوية والسيارات.
ويمكن أن يكون هذا قاعدة جيدة يمكن من خلالها دمج وتطوير تقنيات جديدة للسيارات الكهربائية والتكنولوجيا الحيوية.
وقالت رئيس المفوضية، إن الاتحاد الأوروبي قد لا يكون في طليعة الأبطال في إنشاء أو تشكيل هذه التقنيات.. لكنه قد يكون في طليعة استخدام هذه التقنيات فى القطاعات المختلفة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يتمتع فيه رواد الأعمال في الاتحاد الأوروبي أيضًا بسوق كبيرة واحدة للسلع، التي تضم ثاني أكبر إنفاق أسري في العالم، بالإضافة إلى قوة عاملة ماهرة ومتعلمة تعليماً عالياً.
3.2 مليار يورو قيمة صندوق للبحث والتطوير في مجال البطاريات
وتتصدر الدول الأوروبية ترتيب المواهب العالمية وفقًا للمعهد الدولي لتطوير الإدارة الذي يتخذ من سويسرا مقراً له، والذي يتتبع قدرة البلدان على إنشاء قوة عاملة ماهرة والاحتفاظ بها.
وقال بيرت كولين، كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو لدى شركة “آى إن جى”، إن أوروبا هي موطن الشركات المتقدمة تكنولوجياً. فهي توفر العمال ذوي المهارات العالية، بالإضافة إلى أنها سوق كبير.
ومع ذلك لا تزال شركات الاتحاد الأوروبي، تقدم عددًا أقل من براءات الاختراع وتستثمر بمعدل أقل على الأبحاث.
وتنعكس قدرة الاتحاد الأوروبي المحدودة على صدارة الابتكارات التكنولوجية، في صورة انخفاض عدد براءات الاختراع بالقطاعات الاستراتيجية.. الأمر الذى يعكس انخفاض إنفاقها في مجال البحث والابتكار مقارنة بأجزاء أخرى من العالم.
ويتخلف الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة واليابان في تسجيل براءات الاختراع بالمجالات التي حددتها بروكسل باعتبارها “تقنية تمكين رئيسية” مع تطبيقات محتملة في العديد من الصناعات، منها الإلكترونيات الدقيقة والنانوية، والتكنولوجيا الحيوية الصناعية، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات التصنيع المتقدمة.
وكشفت بيانات بنك الاستثمار الأوروبى، أن الولايات المتحدة والصين تستحوذان على 60 % من الشركات التي دخلت قائمة أفضل 2500 منفق على البحث والتطوير في السنوات الست المنتهية بعام 2018، مقارنة بـ 13% فقط للاتحاد الأوروبي.
واتفق الخبراء على أن تجزئة سوق الاتحاد الأوروبي وخصوصا بالنسبة للخدمات ورأس المال، تشكل عائقًا رئيسيًا أمام تطوير الأبطال الصناعيين للعصر الرقمي، إذ يقلل ذلك من حجم السوق للشركات وحافزها للابتكار والاستثمار في أوروبا، بالإضافة إلى أنه يحد من وصول الشركات إلى التمويل.