تباطؤ نمو الطلب المحلى فى الدول النامية أدى إلى كبح الواردات وتوجد حاجة لمزيد من الدعم
قد يكون فات الأوان للتساؤل عما إذا كان ضعف التجارة والصناعة الذى ضرب الاقتصاد العالمى العام الحالى سوف يتحول إلى إنفاق استهلاكى فى الأسواق الناشئة خلال العام المقبل.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن الرأى السائد على نطاق واسع بين أوساط المستثمرين يفيد بأن المستهلك ظل ينفق بطريقة معقولة العام الحالى وسط تباطؤ حاد فى التجارة والاستثمار العالميين، وأوضح الخبراء الاقتصاديون فى بنك “يو بى إس”، أن الاستهلاك العالمى تباطأ بالفعل وكانت الغالبية العظمى من التباطؤ من نصيب الأسواق الناشئة.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الدعم فى مجال السياسات عبر الأسواق الناشئة خلال عام 2020 لدعم الطلب المحلى المتزايد، ويسير إنفاق المستهلكين حول العالم ونمو الناتج المحلى الإجمالى الرئيسى على المسار الصحيح نحو تسجيل أبطأ نمو لهما منذ عقد فى عام 2019، ولكن عندما يكون تباطؤ الناتج المحلى الإجمالى واسع النطاق إلى حد ما، فإن أكثر من 4 أخماس تباطؤ الإنفاق منذ بداية العام الماضى قد انخفض فى بلدان الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فإن غالبية تباطؤ الأسواق الناشئة يأتى من الهند حيث ساهم ثالث أكبر اقتصاد فى العالم بما يقدر بنحو 40% من التباطؤ الكلى فى الاستهلاك العالمى العام الحالى وهذه النسبة تفوق الولايات المتحدة والصين مجتمعين.
وقال المحللون فى بنك “يو بى إس” السويسرى إن ربع تباطؤ الاستهلاك العالمى يعود إلى الصين وكانت مساهمة بكين على قدم المساواة مع تركيا رغم أنها اقتصاد أصغر بكثير، وخلال النصف الأول من العام المالى الحالى الذى بدأ فى أبريل الماضى تباطأ نمو الإنفاق الاستهلاكى فى الهند إلى أقل من نصف الوتيرة المسجلة فى عام 2018.
يأتى ذلك فى أعقاب أزمة قطاع الظل المصرفى فى البلاد مما أدى إلى نهاية ازدهار الإنفاق فى وقت سابق بينما تضيف فرص التوظيف الضعيفة المزيد من الكآبة.
وأشار الاقتصاديون فى مجموعة “سيتى” المصرفية إلى أن تباطؤ النمو الحالى فى الهند بمثابة أطول فترة من التباطؤ فى النمو على الإطلاق حيث سجلت نسبة 4.5% على أساس سنوى لتبلغ أدنى مستوى لها منذ 6 سنوات.
وتبرز هونج كونج أيضًا بين اقتصادات الأسواق الناشئة التى تزيد من تباطؤ الإنفاق العالمى حيث دفعت الاضطرابات السياسية والتوترات التجارية الاقتصاد إلى الركود مع تراجع السياحة بشكل حاد وتعطل التجارة بشدة.
وانخفضت مبيعات التجزئة فى المدينة الآسيوية بنسبة 24% على أساس سنوى فى أكتوبر الماضى وهو أسوأ تراجع على الإطلاق حيث سجلت 9 أشهر متتالية من تقلص المبيعات.
ويسلط آدم سلاتر، الأستاذ فى جامعة “أكسفورد” الضوء على الارتفاع السابق لديون المستهلكين فى الأسواق الناشئة، خاصة فى آسيا كعامل آخر وراء تباطؤ نمو استهلاك الأسواق الناشئة.
وقال سلاتر، إن تأثير تراكم الديون السابقة يتزايد ببطء تاركًا الرياح المعاكسة الهيكلية والدورية على نمو الاستهلاك.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن ضعف الطلب فى الأسواق الناشئة كان واضحاً أيضًا فى تباطؤ الواردات حيث انهارت أحجام التجارة العالمية منذ صعدت الولايات المتحدة خطابها الحمائى ضد الصين فى أوائل عام 2018.
وعلى غرار الاستهلاك فإن الضعف كان أكثر وضوحًا فى الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة والذى كشف أن الدول النامية قادت الانهيار فى الواردات العالمية.
وكشفت بيانات “فاينانشيال تايمز”، أن واردات الأسواق الناشئة تقلصت خلال معظم العام الحالى مع انخفاضات حديثة بين 3% و4%، مقارنة بمستويات العام الماضى.
وعلى النقيض من ذلك، ظل نمو الواردات فى الاقتصادات المتقدمة إيجابياً إلى حد ما.
وبالنظر إلى التوترات التجارية إلى جانب تباطؤ الاقتصاد المحلى، فإن انخفاض الواردات الصينية لم يكن مفاجئة للاقتصاديين حيث تقلصت الواردات الآسيوية باستثناء الصين من حوالى 4% إلى 5% وفقًا لمركز التجارة العالمى لمراقبة التجارة.
ويعدو انخفاض الوارادات الآسيوية إلى الروابط التجارية المرتفعة فى جميع أنحاء آسيا، ولكن الطلب المحلى المتزايد ساهم فى هذا التراجع بشكل كبير.
وفى الهند كشفت بيانات الحسابات القومية للبلاد أن الواردات انخفضت بنحو 7% على أساس سنوى فى الربع الثالث من 2019 وهو انخفاض كبير من توسع بلغ نحو 23% خلال الربع الثالث من عام 2018.
ونتيجة لذلك، ساهم صافى التجارة بشكل إيجابى فى تراجع الناتج المحلى الإجمالى فى الهند لأول مرة منذ أكثر من 5 سنوات.
وأشارت الصحيفة إلى أن مستوى الضعف كان واضحًا أيضاً فى أمريكا اللاتينية حيث يتوقع صندوق النقد الدولى، انخفاضًا مزدوجًا فى واردات الأرجنتين العام الحالى فى وقت يعانى فيه الاقتصاد المنكوب من الأزمة للعام الثانى على التوالى من الانكماش.
ويأتى ذلك فى الوقت الذى تعانى فيه البرازيل والمكسيك أيضًا من نمو اقتصادى هزيل خلال العام الحالى وسط تراجع الواردات.
وتتوقع شركة “أوكسفورد إيكونوميكس” نمو الواردات بنسبة 1% فقط فى البرازيل العام الحالى مقارنة بـ7% خلال عام 2018.
ويشير الطلب المحلى المنخفض فى الأسواق الناشئة إلى الحاجة لمزيد من الدعم السياسى.
وأشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن سياسة التحفيز المالى تكتسب زخماً فى آسيا وخاصة بعد أن أعلنت الهند عن تخفيض مفاجئ فى ضريبة الشركات خلال شهر سبتمبر الماضى بينما أعلنت كل من تايلاند وإندونيسيا والفلبين عن إنفاق إضافى للعام المقبل.
وفى الوقت نفسه، واصلت الصين اتخاذ تدابير مالية لدعم نموها المتباطؤ جرّاء الصراع التجارى المتصاعد مع الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تأتى المزيد من الحوافز فى الأسواق الناشئة من خلال السياسة النقدية الأكثر مرونة.
وخفضت البنوك المركزية فى أوروبا أسعار الفائدة بحدة العام الحالى مع تراجع المعدل فى الأسواق الناشئة بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى بحوالى 100 نقطة أساس من ذروتها فى عام 2018، والتى تجاوزت 5% وفقًا لشركة “ساتل إيكونوميكس” والتى توقعت المزيد من التراجع فى الأسواق الناشئة خلال العام المقبل.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن جميع البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة خفضت أيضاً أسعار الفائدة العام الحالى وكانت التخفيضات التركية البالغة 1200 نقطة أساس منذ يوليو الماضى أكبر تراجع فى الأسواق الناشئة فى حين كانت التخفيضات البالغة 135 نقطة أساس فى الهند كبيرة أيضًا.
يأتى ذلك فى الوقت الذى واصلت فيه البرازيل دورة خفض أسعار الفائدة الشهر الحالى وكذلك فعلت روسيا، كما تظهر توقعات الاقتصاديين فى وكالة “بلومبرج” تخفيضات فى جميع أنحاء آسيا الناشئة لعام 2020.
وبدون سياسة التخفيف المالى أو النقدى لدعم الطلب المحلى فى الأسواق الناشئة، قد يكون الإنفاق الاستهلاكى لاقتصادات العالم المتقدم أسوأ حالاً من الأسواق الناشئة خلال العام المقبل.
وأدت الزيادة فى ضريبة القيمة المضافة اليابانية فى أكتوبر الماضى إلى انخفاض شهرى بنسبة 14.4% فى مبيعات التجزئة وهو انهيار أعمق مما كان عليه بعد الزيادة الأخيرة فى ضريبة القيمة المضافة فى عام 2014 والتى دفعت الاقتصاد بالركود.
وفى منطقة اليورو، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادى ضعيفًا فى نطاق محدود ولذلك من المتوقع مزيد من التيسير فى السياسة النقدية والدعم المالى خلال 2020.