تحت ظل شمسية مؤقتة بجانب مجرى نهر نصف جاف فى جزيرة جاوة الإندونيسية، يأخذ “إدى سيباستيان” استراحة الغداء فالجو حار وهو متعب.
يكسب الرجل دولارين فى اليوم لجمع الحجارة وكسرها بمطرقة وبيعها كمواد بناء وعندما سئل عما إذا كان لديه أى أدوات أفضل، قال إن أكثر المعدات تطوراً لديهم رافعة تجرها عربة صدئة.
وتضيع مواهب “سيباستيان” دون عائد حقيقى، وليس فقط لأنه يصنع كوميديا جيدة ولكن أيضاً لأنه ولد فى المكان الخطأ فإذا كان يعيش فى بلد غنى، فسيشغل حفاراً ميكانيكياً ويكسب 20 دولاراً فى الساعة بدلاً من دولارين فى اليوم.
ووفقاً للبنك الدولى، فإن المهاجرين الذين ينتقلون من البلدان ذات الدخل المنخفض إلى البلدان ذات الدخل المرتفع يحصلون عادة على ثلاثة إلى ستة أضعاف ما يكسبونه فى الداخل.
ويعنى ذلك أن انتقالهم ببساطة يجعلهم أكثر إنتاجية، لأن الدول الغنية لديها مؤسسات أفضل وسيادة القانون وأسواق رأس المال الفعالة والشركات الحديثة.
ويقوم عمال البناء فى الدول الغنية ببناء مبانى أفضل لأن لديهم أدوات أفضل وإمدادات الكهرباء مستقرة ولا يتعين على صاحب العمل دفع رواتب المسئولين المحليين الفاسدين.
ويحقق العلماء فى الدول الغنية مزيداً من الطفرات لأن لديهم مختبرات أفضل ومجموعة أوسع من العلماء الآخرين للعمل معهم.
ولا عجب فى أن الكثير من جيران “سيباستيان” هاجروا حيث تقع قرية “بومياو” على بعد مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من المحجر الذى يعمل فيه فوق تل صغير، حيث يسهل العثور على منازل المهاجرين.
ويشير أحد سكان القرية إلى غرف فاخرة ذات طوابق متعددة ونوافذ كبيرة وأطباق فضائية موضحاً أنها منزل يخص بحاراً هاجر من كوريا الجنوبية كما أنه شخصيا محظوظ لأن شقيقته الكبرى تعمل مربية فى سنغافورة وقد دفعت الأموال التى ترسلها إلى المنزل الرسوم المدرسية لأشقائها وتوفر رأس مال ناشئ لمجموعة متنوعة من الشركات العائلية.
ويفترض تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية أنه إذا هاجر كل من أراد ذلك، فإن تقديرات الناتج المحلى الإجمالى العالمى سوف تتضاعف وفقاً لتقديرات مايكل كليمنز خبير مركز التنمية العالمية، ومؤلف كتاب سيصدر قريباً بعنوان “جدران الأمم”.

ولا يوجد تغيير آخر فى السياسة الدولية يمكنه أن يقترب من توليد مثل هذه الثروات الضخمة، وإذا كان هناك 90 تريليون دولار سنوياً يمكن توليدها من حركة المهاجرين فيجب على صانعى السياسات ابتكار طرقاً للحصول على جزء منها.
وفى معظم البلدان الغنية، فإن الهجرة هى معركة سياسية وهمية وبعض من أكبر الاضطرابات التى حدثت فى العقد الماضى مثل انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة وصعود الأحزاب الشعوبية فى أوروبا وتصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبى كانت مدفوعة جزئياً بالخوف من الهجرة الجماعية.
ويعارض معارضو الهجرة فى كل مكان بحجج مثل أن المهاجرين مزعجين ويجهدون الخدمات العامة، ويشغلون وظائف من حق السكان المحليين وغالباً ما يكونوا مجرمين.
وفى تصريح سابق، زعم ماكوتو ساكوراى من حزب “اليابان أولاً” الذى يقوم بحملات ضد المهاجرين أن المدرسة لا توفر لأحفاده الاهتمام لأن الأجانب لا يستطيعون التحدث باللغة الإنجليزية والمعلمون يقضون وقتاً أطول لمساعدتهم محذراً من إن الهجرة ستدمر اليابان إذا فتحت حدودها.
وقلة من المتشككين فى الهجرة يمكن أن يشيروا إلى ضرر ملموس تسبب به أجنبى لهم، لكن القوميين فى جميع أنحاء العالم يتبادلون باستمرار حكايات بعضها صحيح مما يعزز مخاوفهم.
وفى البلدان العشرة التى زارها مراسل المجلة البريطانية لإعداد هذا التقرير الخاص استمر فى سماع نفس مجموعة قصص الرعب دون تعديل كبير، فعلى سبيل المثال حذر ساكوراى، الذى يعيش على بعد 9 آلاف كيلومتر من ألمانيا من أن النساء والفتيات الألمان فى سن الثالثة يتعرضن للاغتصاب على أيدى المهاجرين.
ويحذر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان من مؤامرة وهمية لإغراق بلده المسيحى بالمسلمين ويريد ترامب حفر خندق لإبعاد المكسيكيين، وأقرت الدنمارك قانوناً يضاعف العقوبات المفروضة على الجرائم فى الأحياء اليهودية المهاجرة.
وبحسب أندريا كوستا، الذى يدير جمعية خيرية فى روما فإن المهاجرين وقود انتخابى.
وقد تسبب هذا الخلل المناهض للهجرة فى إصابة الدول غير الغنية أيضاً بأضرار ملموسة، ففى جنوب إفريقيا لقى ما لا يقل عن 12 شخصاً مصرعهم فى أعمال شغب خلال شهر سبتمبر الماضى، استهدفت المهاجرين من بقية الدول الإفريقية، وتقوم الهند ببناء معسكرات لإعادة تأهيل أشخاص يبلغ عددهم مليونى شخص كانت قد جردتهم مؤخراً من الجنسية.