الطريق إلى حياة أفضل ملئ بالثقوب، فمنذ 14 عاماً شاهدت “ليستى ديو” أخت “أدروس” الكبرى، إعلاناً عن وظيفة للعمل فى مطعم، حيث تحتاج عائلتها إلى المال وقد قدم صاحب العمل وعوداً ذهبية لذا استقلت حافلة من قريتها فى وسط “جاوة” إلى بلدة بالقرب من الساحل الإندونيسى.
لم يكن ما توقعته صحيحاً فبدلاً من بدء العمل كانت محتجزة فى عنبر للنوم محاطة بكاميرات وسياج ودوائر تلفزيونية مغلقة وقيل لها إن عليها أن تتعلم اللغة الإنجليزية والطبخ والأعمال المنزلية فقالت لنفسها أنه ربما كان هذا جزءًا من التدريب.
وبعد شهرين من التدريب كشف أصحاب العمل بأنها ستكون خادمة فى سنغافورة وهى دولة عبارة عن جزيرة قريبة لكنها أغنى 15 مرة من إندونيسيا، وقالوا إنه إذا رفضت، فستظل مدينة لهم بمبلغ كبير بشكل مستحيل مقابل التدريب والإيجار ولذلك ذهبت معهم لكن الوكلاء حصلوا على أول 9 أشهر من الأجر لتسوية ديونها.
إنها الآن تغسل وتطبخ وتنظف لمدرسين وتعتنى بأطفالهم وتقول إن الأجر جيد حيث يبلغ 700 دولار سنغافورى ما يعادل 500 دولار أمريكى فى الشهر، بالإضافة إلى السرير والطعام فى شقتهم المريحة مع حمام مشترك، ونظراً لأن لديها القليل من نفقات المعيشة فيمكنها توفير أو إرسال معظم أجرها إلى عائلتها.
وتبقى تكاليف وفوائد الهجرة منخفضة المهارات معقدة حيث يستفيد المهاجرون أنفسهم لكن وجدت بعض الدراسات أن الهجرة غير الماهرة تسحب أجور السكان المحليين غير المهرة إلى أسفل، ولكن هذا التأثير صغير إذا كان موجوداً بشكل مطلق.
ويعتقد جورج بورخاس الأستاذ فى جامعة هارفارد أن الهجرة تقلل من دخل المتسربين من المدارس الثانوية الأمريكية المولودين فى الولايات المتحدة بنسبة 1.7%، لكن جيوفانى بيرى الاقتصادى المؤيد للهجرة وجد أنه فى الواقع يرفع أجور هذه المجموعة نفسها بنسبة 0.6%، ويتفق كلاهما على أنه بالنسبة للعمال المحليين ككل، فإن التأثير على الأجور إيجابى إلى حد ما.
ويعزى ذلك جزئياً إلى أن العمال المولودين فى الولايات المتحدة يمكنهم القيام بأشياء لا يستطيع القادمون الجدد القيام بها، مثل التحدث باللغة بطلاقة والتنقل فى المؤسسات المحلية.
وعندما يصل الكثير من المهاجرين ذوى المهارات المنخفضة ويبدأون فى القيام بأعمال يدوية مثل الطهى والتنظيف والبناء، يستجيب المولودون فى الغالب بالانتقال إلى وظائف ذات مستوى أعلى، مثل إدارة العمال المهاجرين.
وغالباً ما يقوم المهاجرون بمهام يتجنبها السكان الأصليون، مثل جمع الفاكهة أو حجز تذاكر وقوف السيارات أو رعاية المسنين، وهذا يقلل ما يدفعه السكان المحليون للفراولة الطازجة والشوارع المنظمة ودور رعاية المسنين.
ويمكن أن يؤدى قبول مهاجر غير ماهر إلى زيادة المعروض من العمالة الماهرة.
وتجعل وفرة المربيات والمُنظفات الأجنبيات من الأرجح أن تعمل النساء المولودات فى الولايات المتحدة والمتعلمات فى الكلية للعمل بدوام كامل كما يفعل كل من أرباب عمل “ليستى ديو”.

وفى دراسة “لامندين أوبيرى” الخبير فى منظمة التعاون الاقتصادى وغيرها حول جميع أنواع الهجرة الماهرة وغير الماهرة من البلدان النامية إلى البلدان الغنية، قدر أن 83% من العمال المولودين فى الولايات المتحدة استفادوا منها مادياً لكنهم فعلوا ذلك فى الغالب بوصفهم مستهلكين، حيث قام المهاجرون بتحسين تنوع وجودة وسعر السلع والخدمات المعروضة، من التنظيف الجاف الى الوجبات الرخيصة .
وبالنسبة للمهاجرين أنفسهم، غالباً ما تكون التكلفة الأكبر للتنقل عاطفية وترك المنزل يعنى ترك الأسرة والأصدقاء وثقافة الفرد.
وهناك تكلفة إضافية، ففى سنغافورة، يسمح فقط للأجانب الذين يجنون أكثر من 6 آلاف دولار سنغافورى فى الشهر بإحضار عائلاتهم.
كما أن الحكومة حريصة للغاية على منع الخادمات من ترسيخ جذورهن أو إثقال كاهل الخدمات العامة إلى درجة أنهن يحصلن على فحوصات طبية منتظمة وإذا ثبت أنهن حوامل يتم إرسالهن إلى بلادهم للولادة.
والفوائد الأكثر وضوحاً للمهاجرين الاقتصاديين ذوى المهارات المتدنية هى بلا غرابة اقتصادية تماماً فعندما ينتقلون من بلد فقير إلى بلد غنى تصبح أجورهم بسرعة كبيرة مثل أجور العمال المهرة فى أوطانهم.
ويشارك المهاجرون عادة مكاسبهم مع عائلاتهم فى الوطن ووصلت التحويلات إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى مستوى قياسى بلغ 529 مليار دولار فى عام 2018 بارتفاع 10% تقريباً عن العام السابق.
وفى عام 2019، يتوقع البنك الدولى، أن التحويلات ستكون أكبر مصدر للتمويل الخارجى لهذه البلدان وهى بالفعل أكبر بثلاث مرات من المساعدات الخارجية وعلى عكس أموال المانحين فإنها تميل إلى التدفق مباشرة إلى المستفيدين المقصودين بدلاً من تبديدها أو اختلاسها من قبل المسئولين الفاسدين.
وبالنسبة للعديد من البلدان، فهى شريان الحياة حيث تبلغ التحويلات أكثر من 10% من الناتج المحلى الإجمالى فى 28 دولة بل إنها أعلى فى تونجا 39% وهايتى 34% وطاجيكستان 30%.
وتعتبر تدفقات التحويلات أكثر موثوقية من الاستثمار الأجنبى وفى الواقع هى أفضل عندما تندلع الأزمة حيث يفر المستثمرون الأجانب، لكن المهاجرون يشعرون بأنهم مجبرون على مساعدة أقربائهم فى الوطن.

تحويلات البلدان النامية أكبر 3 مرات من المساعدات الدولية
وكانت أسرة “ليستى ديو” تعانى أحياناً من الجوع قبل ذهابها إلى سنغافورة والآن فإن حياتهم مزدهرة ويرجع الفضل فى ذلك جزئياً إلى الأموال التى ترسلها إلى وطنها حيث قامت العائة ببناء منزل جديد أنيق وأنشأت متجر بالدور الأرضى يبيع المواد الغذائية والسلع المنزلية الأخرى كما ساعدت أقاربها الآخرين.
ولسنوات، دفعت “ليستى ديو”الرسوم المدرسية لشقيقتها البالغة من العمر 17 عاماً وحال بلوغها سن 18 تخطط هى الأخرى للهجرة أيضاً وتريد أن تعمل فى مصنع للإلكترونيات فى اليابان ولقد سمعت أنه مكان مزدهر ومنضبط وموثوق دينيا لأنها كمسملة تخشى الموقف اليابانى من ممارسة الجنس حيث يبدو وكأنه تحرر مخيف.
ورغم قلقها بشأن الوحدة، لكنها تشعر بالارتياح إزاء حقيقة أن العديد من زملائها فى المدرسة يخططون أيضاً للذهاب إلى اليابان، لكنها فقط تريد أن تعمل فى الخارج لفترة كافية لشراء بعض الأراضى ثم ستعود إلى وطنها وتتزوج.
ويتم استغلال بعض المهاجرين، فأولئك الذين ينتقلون بشكل غير قانونى هم أكثر عرضة للخطر، لأنهم غالباً ما يعتمدون على مجرمين لمساعدتهم على عبور الحدود.
ويمر العديد من الأفارقة الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا بمواقف صعبة، ولسوء الحظ من المخالف للقانون أيضاً حمايتهم من سوء المعاملة.
ويقول أحد المهاجرين الجابونيين الموجودين الآن فى إيطاليا إنه سجن لمدة 6 أشهر فى ليبيا دون سبب وضربه الحراس بأنبوب معدنى كما اختطف مهاجرون آخرون فى ليبيا وتم بيعهم للمزارعين كعبيد.
والعمال المنزليون فى كل مكان معرضون للخطر، لأن المنازل الخاصة هى أماكن صعبة للوصول إلى مفتشى العمل، وبعض أرباب عمل الخادمات يأخذون جوازات سفرهم ويفشلون فى دفع أجورهم المتفق عليها، وحتى أنهم يضربونهم أو يغتصبونهم، لكن مثل هذه الأشياء تحدث فى بلدانهم الأصلية أيضاً.
والواقع أن البلدان التى يكون فيها العمل القسرى أكثر شيوعاً هى البلدان التى يسعى المهاجرون بشدة إلى مغادرتها.
ولقد وجد المهاجرون العديد من الطرق للحد من احتمال التعرض للاستغلال والأهم هو الهاتف المحمول والذى يتيح لهم تبادل المعلومات مع الأصدقاء الذين قاموا بالفعل برحلة الهجرة.