لطالما كنا نتحدث عن العملات الافتراضية (المشفرة) وعلى أنها تحتوى على درجة تذبذب عالية أو – بمعنى أبسط – خطورة عالية نتيجة التغير المستمر والعالى فى سعرها؛ وحتى أننى على المستوى الشخصى تخيلت فى الكثير من المقالات كيفية عمل عملة مشفرة واستغلال تكنولوجيا هذه العملة وهى البلوك تشين “Block Chain” بطريقة ما تحد من هذه الخطورة… أتذكر مرة طرح أحد أصدقائى الاقتصاديين على فكرة تكوين عملة افتراضية فى مصر موازية للعملة المحلية وتكون مربوطة بأصول ملموسة تدُر عائداً على الاقتصاد مثل قناة السويس ومناجم الذهب.. إلخ.
حتى أننى وجدت فى هذا الاقتراح عيباً، حيث أنه من غير المنطقى، أن يكون لدولة عملتان بسعرين مختلفين، حتى وإن كانت واحدة منهما ملموسة والأخرى مشفرة/افتراضية، ومن ناحية أخرى فإن عائد هذه الأصول المُنتجه يؤثر بطريقة أو أخرى على سعر العملة المحلية الملوسة بل إن العملة المحلية سعرها أشمل وداعم لصحة الاقتصاد؛ وبذلك لا يوجد حاجة اقتصادية لعمل عملة بالطريقة المقترحة، ولكن ربط العملة الافتراضية بأصل ملموس ومستقر مع الأخذ بالتكنولجيا التابعة لها هو ما سيحد من خطورتها وينعش وضع الاقتصاد.. وها هى الصين تعلن عن إطلاق لعملتها الجديدة المضمونة من قبل بنكها المركزى خلال 2020 لتكون أول دولة يضمن بنكها المركزى عملة تعمل بتكنولوجيا “البلوك تشين”.. وقبل الإسراد فى الحديث، وجدت أنه من المهم الحديث عن طبيعة هذه العمله ومدى أهميتها، لكى يتحلى للقارئ فهم مغزى الاهتمام بها من الجانب الصينى.
طبيعتها وحقيقتها..
فالبداية، يجب توضيح أن ما ستطلقة الصين ليس عملة افتراضية، كما قال الكتاب بالمعنى الحرفى، حيث أن من أهم سمات أو خصائص العملات الافتراضية أن تكون مستقلة وغير مربوطة أو مضمونة بأى احتياطى أو حكومة أو مؤسسة وأن يكون المحدد الأساسى لسعرها هو العرض والطلب.
والحقيقه أنه طبقاً لهذا التعريف المتداول، لا توجد عملات افتراضية فى العالم! حيث كما وضحت فى مقالات سابقة – جميع العملات الافتراضية هى عملات مربوطة بالعرض والطلب؛ والطلب مروبط بعوامل اقتصادية لأُصول ملموسة ومجريات سياسية وبالتالى العرض.
ولذلك يصبح العرض والطلب لهذه العملات مرتبط بطريقة غير مباشرة بالاقتصاد وبهذا أصبح ادعاء وترويج العملات الافتراضية على انها عملات مستقله، ادعاء يدعو للسخرية! عموما، لو تخيلنا صحة هذا الادعاء.. فهى عملات خطورتها عالية ولذلك ارتباطها بأصل غير خطر يحد من تذبذب سعرها ويعد تطوراً طبيعياً لاستمرارها.
ولذلك أعلنت الصين عن إصدار عمله “رقمية” تعمل على تكنولجيا البلوك تشين ومضمونه من البنك المركزى، لكى تعالج جميع العيوب التي توصَل لها العالم حتى الآن، ومن ناحية أخرى، اتوقع أنه لن يخفى هذا الإصدار الصينى العملات الافتراضية الاخرى.. سيظل الطلب عليها موجود من ناحية المستثمر الذى يفضل المخاطر ليجنى أرباحاً عالية.
سر اهتمام الجانب الصينى..
يتخيل الكثير أن الهدف الأساسى لإصدار تلك العملة “الرقمية” هو الاستغناء عن الكاش مع استغلال التكنولجيا الخاصة بالعملات الافتراضية بلوك تشين (Blockchain)، فى الحقيقة نعم، هذا هو السبب الواضح، ولكن السبب الأهم انه من خلال هذه العملة ومن خلال تكنولجيا “البلوك تشين” سيصبح من الاسهل تداول اليوان الصينى على نطاق عالمى أوسع.
وعموماً هذه العملة ليست المحاولة الأولى من الصين لترويج عملتها وفرض سيطرتها على الدولار الأمريكى، ففى مطلع السنة الماضية حاولت إصدار ما عرف بـ”البترو يوان” وقبلها وضع اتفاقيات تبادل عملات (Currency Swap) مع كثير من البنوك المركزية لنرى ظهور واضح لليوان الصينى فى احتياطى الكثير من الدول، وكرد فعل، رأينا أيضاً ردور فعل أمريكا على هذه المحاولات الصينية، ولكن يبدو ان الصين لن تيأس من محاولاتها المستمرة.
أحمد عزالدين
محلل مالى واقتصادى