يرى خبراء، أن انخفاض الإنفاق الاستهلاكى سيؤثر سلباً على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال السنوات المقبلة، إذ إنَّ السوق المصرى يتميز بكونه أكبر سوق استهلاكى فى منطقة الشرق الأوسط.
وأى تغير فى تلك السمة سيفقده ميزته الأساسية، لذلك على الحكومة أن تكثف مجهوداتها لخلق مميزات جديدة.
قالت الدكتورة عالية المهدى، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، إنَّ انخفاض الإنفاق الاستهلاكى للمصريين، سيؤثر سلباً على جذب الاستثمارات الكبيرة فى المستقبل سواء المحلية أو الأجنبية.
وأوضحت لـ«البورصة»، أن عامل الجذب الأبرز للاستثمار فى مصر هو حجمها كأكبر سوق استهلاكى فى منطقة الشرق الأوسط، وتراجع النمو الاستهلاكى فى مصر، بالطبع سيؤثر سلباً على جذب استثمارات جديدة أو حتى توسعات بالمشروعات القائمة بالفعل.
وبحسب أحدث بحوث الدخل والإنفاق الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فإنَّ متوسط الاستهلاك الفعلى السنوى للأسرة المصرية، بحسب الأسعار الثابتة، حقق تراجعاً من 36.7 ألف جنيه خلال 2015 إلى 33.1 ألف جنيه خلال (2017/2018)، بنسبة انخفاض بلغت نحو %9.7. (يتم حساب الأسعار الثابتة لسنة 2015).
وعند حسابها بالأسعار الجارية، نجدها حققت ارتفاعاً من 36.7 ألف جنيه خلال 2015 إلى 52.6 ألف جنيه خلال (2017/2018)، بنسبة ارتفاع بلغت نحو %43.6.
وأكدت المهدى، أن ذلك سيتسبب فى عدم القدرة على خلق فرص عمل جديدة، وهو الهدف الرئيسى من استقطاب الاستثمارات بمختلف أنواعها. لذلك فإنَّ الحكومة ملزمة خلال الفترة المقبلة بتذليل كل العقبات أمام كل أنواع الاستثمار المحلية والأجنبية والكبيرة والصغيرة.
وأشارت إلى أن ذلك لن يتم إلا من خلال دراسة مشكلات كل نوع من الاستثمار على حدة، إذ إنَّ المشكلات التى تواجه الاستثمارات الكبيرة تختلف عن مشكلات الاستثمارات الصغيرة.
واقترحت «المهدى»، تيسير الإجراءات أمام مختلف المستثمرين الجدد، وتوفير الطاقة بالأسعار العالمية لتخفيض التكاليف الصناعية وخلق عناصر جذب جديدة داخل مصر، فضلاً على تيسير إجراءات الحصول على أراضٍ بأسعار رخيصة.
وبحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإنَّ متوسط صافى الدخل السنوى للأسرة (بالأسعار الثابتة)، حقق تراجعاً من 44.193 ألف سنوياً فى عام 2015 إلى نحو 35.839 ألف جنيه خلال (2017-2018)، بنسبة %18.9.
«المهدى»: يجب تيسير الإجراءات وتوفير الطاقة بالأسعار العالمية
أما عند احتسابه بالأسعار الجارية، فإنَّ الدخل حقق ارتفاعاً من 44.193 ألف جنيه خلال 2015، إلى 58.854 ألف جنيه خلال (2017- 2018)، بنسبة ارتفاع %33.2.
وقال محمد أبوباشا، كبير محللى الاقتصاد الكلى فى «هيرميس»، إنَّ السوق المصرى يتسم بكونه مستهلكاً، ولا يعتمد على التصدير بصورة كبيرة، لذلك تعتمد الشركات على مبيعاتها داخل مصر، وتتأثر سلباً بتراجع الإنفاق الاستهلاكى بها.
أضاف «أبوباشا»، أن مبادرات البنك المركزى الأخيرة كان الهدف الرئيسى منها هو تنشيط الاستهلاك والمبيعات ودعم المصانع، ولكن تأثير هذه المبادرات محدود، ولن يتجاوز فترة سريانها.. لذلك على الشركات التوجه لحلول توفر لها استدامة الإنتاجية.
وأطلق البنك المركزى، خلال ديسمبر الماضى، عدة مبادرات لدعم الاقتصاد المصرى أبرزها، مبادرة لدعم الصناعة، خُصص لها نحو 100 مليار جنيه لتمويل رأس المال العامل وشراء آلات ومعدات بفائدة %10 متناقصة.
ومدد البنك، سريان مبادرة دعم السياحة حتى نهاية 2020 والتى كان مقرراً لها أن تنتهى بنهاية 2019، وزاد قيمتها من 5 مليارات جنيه إلى 50 مليار جنيه، ومبادرة التمويل العقارى المتوسط والتى خُصص لها نحو 5 مليارات جنيه، بفائدة %10 متناقصة لمدة 20 عاماً.
وأوضح «أبوباشا»، أنَّ الحل أمام الشركات لزيادة مبيعاتها هو خلق فرص تصديرية لها، ما يتطلب منها زيادة إنتاجيتها، وتوفير فرص عمل جديدة، وكذلك زيادة المرتبات، بما ينتج عنه أيضاً زيادة الدخل من العملة الصعبة للشركات والدولة ككل.
وكان البنك المركزى، قرر زيادة نسبة إجمالى أقساط القروض الشخصية والبطاقات الائتمانية والقروض بغرض شراء سيارة للاستخدام الشخصى، ليصبح حدها الأقصى %50، مقابل %35 من مجموع الدخل الشهرى، متضمنة القروض العقارية للإسكان الشخصى، عن %40 من مجموع الدخل الشهرى.
وأكد أنه حال نجحت الشركات الإنتاجية فى تعويض تراجع المبيعات محلياً من خلال زيادة المبيعات الخارجية، ستتعافى بشكل كبير، خصوصاً أن عودة الإنفاق الاستهلاكى محلياً بمعدلاته السابقة قبل التعويم، لن يحدث بين ليلة وضحاها، ولكن سيحتاج لفترة طويلة.
وقالت بسنت فهمى، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إنَّ السوق المصرى يعانى من حالة ركود شديدة، وأكبر دليل على ذلك مبادرات البنك المركزى المتتالية لتنشيط القطاع المختلفة، سواء القطاع العقارى أو الصناعى أو السياحى وكذلك مبادرة القروض الشخصية.
وأضافت «بسنت»، أن السبب الرئيسى وراء حالة الركود التى حلت بالسوق المصرى، هو تغير مستوى المعيشة لمختلف الفئات المصرية بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى تتبعها الحكومة منذ 2016.
وتابعت: «لم يعد الإنفاق الاستهلاكى للمصريين هو المحور الأهم لجذب استثمارات أجنبية ومحلية جديدة خلال السنوات المقبلة، بل جد علينا متغير جديد وهو التوترات السياسية التى تعيشها منطقة الشرق الأوسط».
وتابعت: «الاقتصاد المصرى ككل فى وضع حرج، فى ظل تلك التغيرات، ما سيؤثر على توجهات رؤوس الأموال العالمية، بل إنها ستدخل فى حالة ترقب حسب مؤشرات استمراريت تلك الأوضاع».
وأشارت «فهمى»، إلى أنه أصبح واجباً على الدولة دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة خلال المرحلة المقبلة، وتوجيه كل مجهوداتها واهتمامها نحو ذلك القطاع.
وأوضحت أن ذلك القطاع يمثل قاعدة الهرم، التى توفر فرص عمل حقيقية حتى وإن كانت ستوفر مصدر دخل لأسرة واحدة، وهو مطلوب فى ظل هذه الظروف المتوترة، التى يصعب خلالها جذب استثمارات كبرى أجنبية ومحلية أيضاً.