عند مشاهدة شاحنة تلتقط حاوية في ميناء لندن جيتواي، الذي يبعد 30 ميلا من شرق العاصمة البريطانية ويقع على مصب نهر التايمز، من السهل الاعتقاد بأن العالم المستقبلي قد وصل بالفعل.
يقوم السائق بإيقاف الشاحنة بجانب المكان المخصص للحاويات، ثم يترك الكابينة بحثا عن مأوى صغير ولكنه قبل ترك الكابينة يضغط على زر صغير يعمل على تحويل الرافعات إلى وضع العمل، لتعمل الرافعات على تحديد الحاوية المعنية ورفعها من مكانها وإيداعها بسلاسة على مقطورة الشاحنة، وكل ذلك دون تدخل بشري.
ومع ذلك، تخطط صناعات الشحن والموانئ ، لاتخاذ خطوات جديدة لجعل دورها في توصيل البضائع للمستهلكين في جميع أنحاء العالم، أكثر كفاءة خلال العقود المقبلة.
وأفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن التكنولوجيا ليست العائق الوحيد الذي يقف أمام تغيير صناعات الشحن والموانئ. بل إن التغيرات في تكاليف العمالة العالمية قد تشكل أيضا تحديا أمام نموذج الشحن التقليدي.
قال الرئيس التنفيذي لشركة “موانئ دبي العالمية” في المملكة المتحدة، إرنست شولز، إن محطات الموانئ في المستقبل ستشهد استخدام مزيد من التكنولوجيا. كما سيكون هناك أيضا مزيد من “الأتمتة” ومزيد من الاستخدام لتكنولوجيا المعلومات.
أضاف أن موانئ دبي العالمية، شكلت بالفعل مشروعا مشتركا لتطوير تكنولوجيا “بوكس باي”، وهي نظام ذكي جديد يعمل على تخزين الحاويات.
وأوضحت الصحيفة، أن الحاويات تتكدس حاليا فوق بعضها البعض في الموانئ، مما يصعب ويهدر كثيرا من الوقت لإخراج أيا من تلك الحاويات الواقعة في اﻷسفل. ولكن تقنية “بوكس باي” تستخدم هيكلا يشبه السقالات، وبالتالي فإن الحاويات لا توضع فوق بعضها البعض، ما يعني إمكانية سهولة إخراجها وتوصيلها للشاحنات أو السفن.
وقال شولز، إن استخدام تقنية “بوكس باي”، يجب أن يساهم في التخلص من عدم كفاءة أنظمة تكديس الحاويات الحالية ويغير تكوين المحطات.
وفي الوقت نفسه، تبحث “موانئ دبي العالمية” أيضا في التكنولوجيا لدعم التوصيل في المستقبل البعيد، لذا انضمت إلى مجلس إدارة شركة “فيرجن هايبرلوب ون” اﻷمريكية لتكنولوجيا النقل، التي تخطط لتقديم سفر سريع للركاب عبر القطارات المغناطيسية المعلقة، التي ستعمل على أنابيب منخفضة الضغط على مستوى الأرض.
ويكمن اﻷمل في توصيل البضائع الأكثر اﻷهمية بسرعة الطائرات، ولكن بأثر بيئي أقل بكثير لأن نظام القطارات سيعمل بالكهرباء.
وأوضح شولز، أن وسيلة النقل الجديدة لن تكون بديلا ﻷي وسيلة أخرى، بل إنها مجرد تقنية جديدة تخضع للاختبار لمعرفة ما إذا كانت ستحقق نجاحا.

وأفاد تيم باور، المدير الإداري لدى شركة “دريوري شيبنج كونسالتانتس” البريطانية لاستشارات الشحن، أن التعديلات التي تطرأ على أنماط التجارة العالمية قد تحدث تغييرات كبيرة في حركة البضائع حول العالم مثل أي تقنية أخرى.
أضاف أن عمليات التصنيع عادة ما تتم في آسيا، التي تتمتع بانخفاض تكاليف العمالة، ما أدى إلى نمو شحن الحاويات على مدى عقود زمنية، إذ ينقل الموردون البضائع مسافات طويلة إلى الأسواق. ولكن التقدم المتوقع في الروبوتات قد يحد كثيرا من الفروق في تكاليف العمالة بجميع أنحاء العالم في المستقبل.
وفي قلب كل هذه التغييرات، ستجد سفن الحاويات الضخمة التي تلوح في الأفق بجانب رصيف ميناء لندن جيتواي.
قد اشترت خطوط شحن الحاويات سفنا أكبر للاستفادة من كفاءات الحجم عند نقل الحاويات بين مراكز التصنيع في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
وتعتبر سفينة “كاب سان أرتيميسيو”، التي تديرها شركة النقل اﻷلمانية “هامبورج سود”، واحدة من السفن التي تصل إلى ميناء لندن “جيت واي” بانتظام. ويبلغ طول السفينة 333 مترا وعرضها 48 مترا. كما أنها قادرة على حمل 9600 حاوية بارتفاع 20 قدما.
وقد صمم الميناء للتعامل مع السفن الجديدة واﻷكبر حجما مثل سفينة “جولسون”، التابعة لشركة البحر اﻷبيض الأبيض المتوسط للشحن البحري، التي أطلقت خلال العام الحالي، وتستطيع حمل ما يصل إلى 23,756 حاوية بارتفاع 20 قدما.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز”، أن الموانئ العالمية سارعت لشراء رافعات أطول وإدخال أنظمة حاويات أكثر كفاءة للتعامل مع مثل هذه السفن العملاقة.
ومع ذلك، قال باور، من شركة “دريوري شيبنج كونسالتانتس”، إن أكبر التداعيات للانخفاض المحتمل في تكاليف العمالة، هو أن التجارة عبر القارات ستكون أقل بكثير وستكون حركة المرور الإقليمية مسافتها أقصر بكثير.
ويمكن أن يتركز تصنيع أوروبا الغربية في أوروبا الشرقية أو تركيا، في حين أنه من المرجح تركز تصنيع الولايات المتحدة وكندا في المكسيك، مما قد يفرض تركيزا أكبر على السفن التي يتم تحميلها وتفريغها سريعا، بدلا من تلك التي تحمل حاويات تسير لآلاف الأميال مقابل أقل تكلفة ممكنة.
ومن المتوقع أن يساهم التحول بعيدا عن السفن التي تسير لمسافات طويلة، في إحداث تأثيرات كبيرة على صناعة الشحن. فقد تثبت السفن الصغيرة التي تقوم برحلات أقصر بين الموانئ سهولة التحول للدفع الكهربائي مقارنة بالسفن العملاقة العابرة للقارات، والتي يحتمل اعتمادها على الوقود الهيدروكربوني في المستقبل المنظور.
ويمكن أن يؤدي تقلص حجم السفن ، إلى إنعاش ثروات الموانئ البحرية التي أهملت نتيجة عدم قدرة السفن اﻷكبر حجما على القيام برحلات نهرية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي مثل هذا التحول، إلى جلب البضائع بالقرب من المراكز ذات الكثافة السكانية اﻷكبر،و التي تتواجد في اﻷغلب على اﻷنهار.
كما أنه قد يحد من عمليات نقل البضائع بالشاحنات ذات التكلفة البيئة الباهظة.