بالنسبة للعديد من الشركات فى الأسواق الناشئة والنامية، يعد تقليد نجاح أمثال سامسونج وهيونداى، بمثابة حلم مستحيل، ولكن النمو الاقتصادى السريع لليابان وكوريا الجنوبية والدول الآسيوية الأخرى فى النصف الثاني من القرن الـ20، تثبت أنه حلم يمكن تحقيقه.
وكانت اليابان وكوريا الجنوبية، على سبيل المثال فى وقت من الأوقات دولاً فقيرة تكافح، لكى تصل إلى حالة الدول عالية الدخل بأسرع وقت ممكن.
وتمكنت الدولتان من تحقيق ذلك الهدف من خلال التدخل الحكومى القوى، مثل وضع السياسات الصناعية التى ساعدت الشركات المحلية على التحول إلى قطاعات معقدة والتنافس عالمياً، ومن خلال تطبيق هذه الدروس، فإن الدول النامية اليوم، يمكن أن تقدم فرصاً مشابهة لشركاتها وتجلب عائدات جيدة للمستثمرين العالميين.
وكانت “المعجزة الآسيوية”، بقدر كبير، نتاج استراتيجية من 3 أجزاء.. الأول، هو وضع الدولة لأهداف طموحة وتحقيقها من خلال تشجيع ودعم الشركات الخاصة على وضع أعينهم على التحول سريعاً إلى قطاعات صناعية عالية التكنولوجيا.
ثم فهمت الحكومات أن دولهم يجب أن تطور قطاعاً تصديرياً قوياً، لكى تنضم إلى صفوف الدول عالية الدخل، وأخيراً، يحتاج صناع السياسة لتشجيع ثقافة التنافسية القوية، إلى الشركات، وكذلك مساءلة صارمة للدعم الذى حصلت عليه الشركات.
وأثبت التكافل الناتج بين الحكومة والسوق أنه ناجح بشدة، وأصبح نموذجاً للدول الأخرى، كما أصبحت الصادرات مقياس النجاح لمعجزات آسيا الاقتصادية، وعبر المنطقة، تطورت الشركات نظامياً من شركات منخفضة التكنولوجية مركزة محلياً، إلى صناع عالميين، يتمتعون بتكنولوجيا عالية للسيارات والسفن والإلكترونيات، ونظراً ﻷنهم اضطروا إلى تبرير الدعم الذى حصلوا عليه، تكيفوا سريعاً مع الاحوال المتغيرة فى السوق، وأصبحت الشركات التي تمكنت من إدارة هذا التحول ناجحة للغاية، فى حين أن الشركات التى تخلفت، أعيدت هيكلتها فى النهاية.
وأحد الأمثلة الواضحة على ذلك، هى فى المصائر المتباينة لشركة “هيونداى” الكورية الجنوبية، وشركة السيارات الحكومية الماليزية “بروتون”، وكان لدى الماليزيين خطة طموحة لخلق مورد متعدد محلياً.
ولكن رغم أن المشروع نجح في عدة جوانب، إلا أن “بروتون” كانت محمية فى سوقها المحلى، وافتقرت إلى الدوافع للتصدير بكميات هائلة ومواجهة التنافس عالمياً ونتيجة لذلك لم تطور ماليزيا قطاع سيارات متعدد ومبتكر.
أما “هيونداى” من ناحية أخرى، فبنت علامة تجارية عالمية، وطورت سيارات أصبحت جزءاً رئيسياً من نجاح قصة التصدير فى الدولة، وهو انجاز يعود بقدر كبير إلى السياسات الحكومية.
وراهنت حكومة كوريا الجنوبية، على العديد من شركات العائلات لتطوير قطاع السيارات فى الدولة، كما لم تتردد في إعادة هيكلة تلك الشركات عندما تطلب الأمر، ونجح عدد قليل منهم فى النهاية.
وكانت شركة “هيونداى” فى الأساس، شركة عائلة متخصصة فى الإنشاءات وتركز نسبياً على السوق المحلى، ولكن بدأت في منتصف ستينيات القرن الماضى مع الدعم والحوافز القوية من الحكومة، العمل بالخارج، ودخلت قطاعات عالية التكنولوجيا منها بناء السفن والسيارات رغم أنها لم تكن لديها أى خبرات سابقة فى هذه المجالات.
وتحت ضغوط التصدير والتنافسية، أجبرت “هيونداى” على تسريع البحث والتطوير وتحديث تكنولوجياتها، وبحلول 1991، أنتجت الشركة وصممت أول محرك سيارات خاص بها (وكذلك سامسونج من كوريا الجنوبية أيضاً كانت تتاجر في المنتجات الغذائية مثل النودلز قبل التخصص فى الإلكترونيات).
ويسلط التطوير الناجح لقطاع الالكترونيات التايوانى، الضوء على إمكانات تطوير الشركات فى الدول النامية حتى تصبح لاعبة عالمية رائدة فى المجالات عالية التكنولوجيا.
وعلاوة على ذلك، حدث هذا التطور التكنولوجى فى مرحلة مبكرة جدا عندما كان الناتج المحلى الإجمالي للفرد عند حوالى 20% من مستوى الولايات المتحدة وحيثما تقف تونس اليوم، وتصرفت الحكومة كمستثمر رأسمالى لتحفيز القطاع الوليد، وبذلت المؤسسات العامة في السبعينيات، مثل معهد الأبحاث الصناعية والتكنلوجيا، مجهودات جبارة فى البحث والتطوير بجانب الاستثمار فى التدريب المهني وبناء علاقات مع الشركات متعددة الجنسيات.
وتبنت هذه المؤسسات، العديد من الشركات الناشئة التكنولوجية، وترأس رؤساؤها في البداية الشركات الجديدة.
أصبحت بعض الشركات التي انفصلت بعد ذلك مثل “يو إم سى” و”تى إس إم سى” شركات متعددة الجنيسات فى صناعة أشباه الموصلات العالمية، ومكّن التركيز على الابتكار والصادرات، هذه الشركات وغيرها من تحقيق مستوى النجاح الذى لم يكونوا ليحققوه إذا اكتفوا بخدمة السوق المحلى فحسب.
ويسلط النمو السريع المبكر للمعجزات الاقتصادية فى آسيا، الضوء على أهمية شركات القطاع الخاص فى التنمية الاقتصادية للدول، ورغم أن “اليد القائدة” للدولة كانت هامة فى المراحل الأولى، فإن شركات منها “هيونداى” و”سامسونج” و”تى إس إم سى” كان لديها الطموح لأن تصبح لاعبة عالمية فى القطاعات المعقدة، ويمكن للعديد من الدول النامية اليوم استعارة هذه الوصفة ومحاولة خلق معجزات اقتصادية خاصة بهم تقدم لهم عائدات جذابة وللمستثمرين على حد سواء.
بقلم: ريدا تشيريف وفاود هاسانوف، خبراء الاقتصاد فى صندوق النقد الدولى، وسابين سكلورك، مدير التصنيع فى مؤسسة التمويل الدولية.
إعداد: رحمة عبد العزيز
المصدر: موقع “بروجكت سينديكيت”