يجب أن تكون فكرة انتشار فيروس كورونا في البلاد التي تستهلك نحو نصف المعادن في العالم خبرا سيئا بالنسبة لمخزونات التعدين، أليس كذلك؟
لا شك أن المستثمرين يراهنون على ذلك، خاصة أن الأسبوع الحالي بدأ بتراجع مؤشر بلومبرج العالمي للتعدين إلى أدنى مستوى له في 6 أشهر واستمرت سلسلة الخسائر في ظل توقعات انخفاض شهية الصين الشديدة للسلع نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي.
تراجعت الأسهم الأسترالية في مجموعة “ريو تينتو” للمعادن بنسبة 5.9% عند استئناف التداول يوم اﻷثنين الماضي بعد العودة من العطلة الرسمية، لتسير نحو أكبر انخفاض لها منذ ثلاثة أعوام ونصف، كما تراجعت أسهم مجموعة “فورتسكيو” المنتجة لخام الحديد بنسبة تصل إلى 8.7% في التعاملات المبكرة.
يعتقد ديفيد فيكلينج، كاتب مقالات رأى لدى وكالة أنباء “بلومبرج، أن هذا اﻷمر يبدو مبالغا فيه، فعند الوقوع في قبضة الوباء يمكن الشعور بانهيار كل شىء، ولكن معظم تلك الفيروسات عادة تتلاشى في غضون أشهر.
وأشار إلى ضرورة عدم التقليل من مقدار التحفيز الصناعي الذي تعتزم بكين ضخه في الاقتصاد للحفاظ على النمو الاقتصادي ضمن نطاق المستهدف عقب تلك اﻷزمة.
ويمكن وضع متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “السارس”، التي ضربت جنوب الصين وشرق آسيا في الأشهر الأولى من عام 2003، في الاعتبار، خاصة أنها أظهرت معظم الإصابات في الأنف والحنجرة، مثل الأنفلونزا، بأنها عرض موسمي شتوي واضح، حيث بدأت العدوى في نوفمبر وانخفضت بسرعة خلال أبريل قبل أن تتلاشى تقريبا في يونيو.
ورغم أن إجراء فرض حجر صحي على مدينة ووهان الصينية بأكملها قد لا يكون كافيا، بالنظر إلى انتشار المرض بالفعل دون أي رادع حتى فوات الأوان، إلا أن هذه الخطوة قد لا تكون آخر محاولة لعزل الفيروس، فمن المرجح أن تتخذ الحكومة الصينية ومطوري العقارات والشركات تدابير إضافية، مثل إلغاء الأحداث العامة وإغلاق المساحات التجارية ومحلات البيع بالتجزئة.
إذا سارت الأمور على هذا النحو، فلن يكون هناك أي استحالة في بدأ تراجع الوباء في أبريل المقبل، تماما كما تنتعش الآلة الصناعية في الصين من سباتها الشتوي المعتاد، فمستويات النشاط الصناعي عادة ما تنخفض في شهري يناير وفبراير نتيجة الطقس البارد وعطلة رأس السنة القمرية الجديدة ثم سرعان ما ترتفع إلى أعلى مستوياتها في بين شهري مارس ويونيو.
ويقول إنه في السنوات الخمس حتى عام 2018، على سبيل المثال، كان إنتاج خام الحديد اليومي في مارس أعلى بنسبة 7.4% في المتوسط عما كان عليه في يناير، كما أن إنتاج الأسمنت يرتفع بسرعة أكبر، حيث يسمح الطقس الدافئ بخلط الخرسانة في مواقع البناء مرة أخرى، وفي حين أن أرقام يناير وفبراير غالبا ما تكون أضعف من أن تعلنها وكالة الإحصاء الصينية، إلا أن متوسط إنتاج مايو خلال نفس الفترة كان أعلى بنسبة 23% تقريبا عن مستويات الإنتاج قبل شهرين فقط.
ويمكن أن تكون تلك الدورة واضحة بشكل خاص هذا العام، حيث يلزم المستهلكون الصينيون منازلهم خلال موسم الذروة التقليدي للتسوق أو تناول الطعام أو مشاهدة الأفلام أو السفر.
وتعتقد وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيفات الائتمانية أن انخفاض استهلاك الخدمات بنسبة 10% قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.2%.
ويقول الكاتب إنه يمكن لهذا اﻷمر، من الناحية النظرية، التأثير بشكل كبير على الإنتاج خلال العام بأكمله، الذي يتوقع الاقتصاديون بالفعل انخفاض نموه عن النسبة الرسمية المستهدفة البالغة 6% تقريبا، كما أنه قد يخل أيضا بتعهدات الحكومة طويلة الأجل بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2020.
ويضيف أنه من المحتمل أن تتسبب هذه اﻷزمة في تأجيل تحول الصين إلى اقتصاد يعتمد بدرجة أكبر على الاستهلاك وبدرجة أقل على تصاعد الديون والانبعاثات الكربونية، ولكنه سيكون أيضا سوقا صعوديا وليس هبوطيا بالنسبة للسلع الأساسية.
وكانت واردات الصين من الفحم في الـ 12 شهرا المنتهية في يونيو 2017 أعلى بنسبة الثلث تقريبا مما كانت عليه في العام السابق، كما ارتفع النحاس بنسبة 12% والبترول بنسبة 13% وخام الحديد بنسبة 7.7%.
ويقول الكاتب إنه مع تلاشي الفيروس الفتاك، لا يجب أن تكون رؤية ظهور هذا النمط مرة أخرى أمرا مفاجئا.