معظمنا يعرف ماذا يعنى التضخم، إنه ببساطة زيادة مستمرة فى المستوى العام لأسعار السلع والخدمات خلال فترة من الزمن.
عندما يرتفع مستوى السعر العام، تشترى كل وحدة من النقود عدداً أقل من السلع والخدمات؛ وبالتالى، يعكس التضخم انخفاضاً فى القوة الشرائية لكل وحدة من النقود.
عكس التضخم هو الانكماش، وهذا ما سأشرحه فى هذه المقالة، وأوضح ما إذا كان هذا جيداً أو سيئاً للمستهلكين والاقتصاد.
يحدث التضخم عندما ترتفع أسعار السلع والخدمات، بينما يحدث الانكماش عندما تنخفض هذه الأسعار، فالحالتان هما طرفان متقابلان لعملة واحدة.
يمكن تعريف الانكماش بأنه هبوط فى مستوى السعر العام، وهذا يعنى أن قيمة النقود تزيد بدلا من الانخفاض والانكماش ليس سيئاً بالضرورة، لكن فى كثير من الأحيان قد تؤدى فترات الانكماش أو انخفاض التضخم بمعدل كبير إلى ركود الاقتصادى وارتفاع معدل البطالة، وذلك لأن الانكماش يمكن أن يقلل الإنفاق لأن المنتجات ستكون أرخص فى المستقبل.
يحدث الانكماش عندما يحدث فائض فى توفر السلع، أو عندما لا يكون هناك ما يكفى من الأموال المتداولة لشراء هذه السلع. نتيجة لذلك، ينخفض سعر السلع والخدماتً.
ولكن، عادة ما يكون سبب الانكماش انخفاض الطلب وانخفاض النمو، ليس من قبيل الصدفة أن أسوأ فترة من الانكماش كانت فى فترة الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى، هذا النوع من الانكماش مدمر للغاية.
هناك العديد من عيوب الانكماش، وأيضا بعض المزايا التى سوف ألخصها فيما يلى بأسلوب مبسط قدر الإمكان.
أولاً، الانكماش لا يشجع المستهلكين على الانفاق. عندما يكون هناك انخفاض فى الأسعار، فإن هذا يشجع المستهلكين فى كثير من الأحيان على تأخير عمليات الشراء لأن السلع ستكون أرخص فى المستقبل.
على وجه الخصوص، يمكن أن يثنى المستهلكين على شراء السلع الباهظة أو الكمالية لأنهم يمكن أن يوفروا المال بالانتظار لحين أن تصبح السلع أرخص.
لذلك، تؤدى فترات الانكماش فى كثير من الأحيان إلى انخفاض إنفاق المستهلكين؛ (وهذا بدوره يخلق المزيد من الضغوط الانكماشية فى الاقتصاد).
ثانيا، الانكماش يؤدى إلى زيادة عبء الديون الحقيقية للدين والقيمة الحقيقية للنقود، فالانكماش يجعل من الصعب على المدينين سداد ديونهم لتأثر الدخول.
ومن ناحية أخرى، عندما يتوقع المقترضون تضخماً يتراوح بين 9 و%10 فى المستقبل القريب، قد يفضلون سداد قروضهم لأنه سيكون من الأرخص السداد الآن من أجل خفض القيمة الحقيقية للدين، أما إذا كان من المتوقع أن يتراوح معدل التضخم بين صفر و%0.5، فإن القيمة الحقيقية للدين ستنخفض ببطء شديد عما يكون متوقعًا.
وبالمثل، يدفع الانكماش إلى أن تسعى الحكومات أيضًا لتخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى لأنه بسبب التضخم المنخفض، سوف تتأثر الموارد من عائدات الضرائب بشدة.
ثالثا، ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. لا يمكن أن تنخفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر، إذا كان هناك انكماش بنسبة %2، فهذا يعنى أن لدينا معدل فائدة حقيقى موجب %2.
بمعنى آخر، توفير المال يعطى عائداً معقولًا، لذلك، يمكن أن يساهم الانكماش فى تشديد السياسة النقدية غير المرغوب في،. هذه مشكلة خاصة بالنسبة لبلدان منطقة اليورو التى لا تلجأ إلى أى سياسات نقدية أخرى مثل التيسير الكمى.
رابعاً، البطالة ولزوجة الأجور. غالباً ما تظهر فى سوق العمل ظاهرة «لزوجة الأجور» وهى نظرية تفسر أن الأجور التى يتقاضاها الموظفون تستجيب ببطىء للتغيرات التى تحدث على أداء الشركة أو الاقتصاد، لذلك فإن أجور الموظفين تظل كما هى، أو تنمو ببطيء عندما ترتفع البطالة بدلا من أن تنخفض مع انخفاض الطلب على الموظفين بسبب الانكماش.
خامسا، التأثير على معدلات النمو. فى ضوء الانكماش تهوى أسعار الفائدة إلى أدنى مستويات، ومع ذلك يضعف الطلب على الأموال بسبب تباطئ الأسواق، مما يؤثر على الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادى.
وعلى الرغم من العديد من الأثار السلبية للانكماش، يمكن أن يكون يصبح الانكماش مفيداً، فى بعض الأحيان يكون الانكماش ناتج عن زيادة الكفاءة فى التشغيل وانخفاض تكاليف الإنتاج، هذ هو النوع الجيد من الانكماش حين ينطوى على انخفاض الأسعار من خلال زيادة الإنتاجية واستخدام تكنولوجيا أفضل.
بالمثل، يمكن الاستفادة من الانكماش فى تحسين القدرة التنافسية الدولية. إذا كان هناك بلد يعانى من الانكماش، بينما بلدان أخرى تعانى من التضخم، فإن ذلك البلد سوف يصبح أكثر تنافسية على المستوى الدولى، مما يؤدى إلى ارتفاع الصادرات.
مع الانكماش يثير البعض سؤال شائع؛ ألا يجعلنا الانكماش أفضل لأن الأسعار تكون أرخص؟
تذكر أن الانكماش عادة ما يعنى هبوط الأجور (أو على الأقل ثبات الأجور)، وبالتزامن أيضا مع ارتفاع معدل البطالة، من المحتمل أن يشعر الأفراد الذين لديهم ديون، على سبيل المثال، القروض العقارية وبطاقات الائتمان، بمزيد من الضغوطات.
ربما تنخفض الأسعار، ولكن من المحتمل أيضًا أن تنخفض قيمة الأموال المتاحة للإنفاق.
الحقيقة أن الانكماش يكون جيداً فقط إذا كانت الأسعار تنخفض والدخل يرتفع، صحيح أن بعض الأفراد، خاصة الذين يحصلون على دخول مرتفعة وباستطاعتهم التوفير من مواردهم، قد يشعرون بارتياح خلال فترة الانكماش، لكن المشكلة الحقيقية هى الآثار الاقتصادية الكلية الأوسع للركود والبطالة.
بقلم: هانى أبوالفتوح
خبير مصرفي