بعد أسبوع عصيب، لم تستطع منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” وروسيا حسم موقفهما بشكل تام بعد تفشي فيروس كورونا الفتاك، في وقت يمكن أن يؤثر اتفاق السلام المحتمل في ليبيا سلبا على أي استجابة منهما، نظرا لاعتزام ليبيا رفع المعروض وهو ما قد يخل بأي خفض محتمل بين دول “أوبك بلس”.
وقال بيل فارن برايس، مدير مجموعة “أر.أس إنرجي جروب”، إنه إذا كانت ليبيا قادرة على استئناف الصادرات، فإن ذلك سيزيد من مستوى تعقيد حسابات العدد المتناقص من دول أوبك القادرة على تنفيذ تخفيضات موثوقة في الإنتاج.
وأشار إلى أن السعودية وحلفاءها ستسمح ببساطة بإضافة المنتجين الآخرين لمزيد من البراميل، في وقت يعاني فيه الطلب من صدمة خارجية كبيرة.
وأوضحت وكالة أنباء “بلومبرج” أن التحالف بين أوبك ودول أخرى مثل روسيا يمر بفترة من أصعب الفترات في تاريخه الممتد لثلاثة أعوام، فقد هاجم فيروس كورونا قلب نمو الطلب العالمي على البترول، متسببا في إغلاق مجموعة كبيرة من المصانع والمدن التي تعتبر موطنا لعشرات الملايين من اﻷفراد.
وانخفض سعر البترول الخام بنحو 20% في يناير الماضي، مع انخفاض الأسعار في الولايات المتحدة إلى ما دون 50 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ أكثر من عام، ولكن إذا لم تتعاف اﻷسعار قريبا، فإن موازنات دول بأكملها، بداية من السعودية وحتى كازاخستان، ستواجه ضررا شديدا.
وأوضحت “بلومبرج” أن السعوديين طالبوا باتخاذ خطوات عاجلة، حيث عقد اجتماع طارئ لتحالف “أوبك بلس” من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الحاجة إلى تحقيق خفض إضافي في الإنتاج، رغم التخفيضات الكبيرة بالفعل في الإمدادات.
وأشارت إلى أن روسيا كانت مترددة في اتخاذ قرار بشأن التعمق بشكل أكبر في خفض الإنتاج، حيث طالب وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بمهلة لعدة أيام لتحديد ما إذا كانت بلاده ستدعم خفض الإنتاج الذي أوصى به تحالف “أوبك بلس”.
ومع ذلك، يمكن أن يتسبب اتفاق السلام في ليبيا في فقد إجابة نوفاك ﻷهميتها حتى قبل إبدائها، وذلك من خلال إضافة نحو مليون برميل من البترول يوميا إلى السوق.
ومع ذلك، لم تقدم المحادثات التي دامت لثلاثة أيام بين مسئولي “أوبك بلس” في فيينا خلال نهاية اﻷسبوع الماضي، سوى جزء ضئيل من مطالب السعوديين.
فقد أوصى الخبراء الفنيون في التحالف بخفض جديد قدره 600 ألف برميل يوميا- وهو ما يمثل بالكاد ثلث انخفاض الطلب من شركات التكرير الصينية- ولكنهم لم يحددوا موعدا لعقد اجتماع طارئ آخر ولم تقدم روسيا بعد موافقتها على هذا الخفض، كما أن الخبراء أوصوا أيضا بتمديد تخفيضات الإنتاج الحالية بمقدار تسعة أشهر أخرى لتستمر بذلك حتى نهاية عام 2020.
وقالت أمريتا سين، كبيرة محللي البترول لدى شركة “إنرجي أسبكتس”، إن حالة عدم اليقين المتعلقة بكيفية تطور الوضع في ليبيا وفيروس كورونا تدل على أن “أوبك بلس” تواجه مهمة صعبة للغاية.
صراع طويل
لا يعتبر استئناف الإنتاج الليبي أمرا مؤكدا بأي حال من اﻷحوال، فقد ظلت العديد من القضايا دون حل بعد المحادثات التي انعقدت في جنيف، الخميس الماضي، بين حكومة طرابلس المدعومة دوليا والقائد الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر جيشه الوطني الليبي على شرق وجنوب البلاد الغني بالبترول والذي أعلن حظر تصدير البترول الخام منذ يناير الماضي.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن ليبيا غير مستقرة بطبيعتها، فقد شهدت نوبات منتظمة من العنف وتعطيل إمدادات البترول منذ سقوط الديكتاتور معمر القذافي في عام 2011.
وقال غسان سلامة، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، في المحادثات التي جرت في سويسرا، إن زعماء القبائل الشرقية يعارضون التوزيع غير العادل للبترول، متوقعا أن يقدموا قائمة طلبات قبل مناقشة توزيع عائدات البترول في القاهرة غدا الأحد.
وأفاد أن الأمم المتحدة ترغب في تدفق البترول بأسرع وقت ممكن.
وفي الوقت نفسه، تسبب فيروس كورونا بالفعل في إضعاف سوق البترول بشكل كبير، حيث يعتبر هذا الفيروس الفتاك- وفقا لبعض التقديرات- أكبر صدمة أصابت الطلب منذ الأزمة المالية العالمية.
ووفقا لهذا الصدد، قال إد مورس، الرئيس العالمي ﻷبحاث السوق في “سيتي جروب”، إنه حتى إذا نفذت “أوبك بلس” الخفض البالغ 600 ألف برميل يوميا الذي أوصت به في اجتماعها الطارئ اﻷخير، لن يكون هذا كافيا لمواجهة المخاطر.
ويتوقع مورس تسبب تفشي كورونا في انخفاض خام برنت إلى مستوى متدني يقدر بـ 47 دولارا للبرميل بدلا من 55 دولارا حاليا، مشيرا إلى أن إضافة مزيد من الخام الليبي إلى هذا المزيج ستكون وصفة مثالية لتحطيم الأسعار بشكل أكبر.
وقال بول هورسنيل، رئيس قسم أبحاث السلع لدى “ستاندرد تشارترد”، إن سوق البترول قد تتعرض إلى ضربة قوية إذا احتلت عودة ليبيا إلى رفع المعروض البترولي صدارة العناوين في الوقت الراهن، مؤكدا أن توقيت هذه العودة سيكون سئ بالتأكيد.