من الصعب التعامل مع موضوع إعادة هيكلة ديون الأرجنتين، دون الشعور بهواجس عميقة، خصوصاً أن تاريخ البلاد ليس جيداً على الإطلاق، فقد تعثرت بوينس آيرس 8 مرات منذ الاستقلال.
ويعتبر إرث الرئيس البيرونى ألبرتو فرنانديز، من سلفه ماوريسيو ماكرى، إرثاً ساماً، يتمثل فى ركود عميق، فاﻷرجنتين تمتلك واحدة من أعلى معدلات التضخم فى العالم، كما أن ديونها المحلية تقترب من 90% من الناتج المحلى الإجمالى.
واتبع فرنانديز نهجاً جديداً، إذ وضعت معظم الدول، المدينة التى تواجه إعادة الهيكلة، خطة اقتصادية مفصلة، وتلتزم بوضع أهداف واضحة لكسب دعم صندوق النقد الدولى والدائنين لخفض المديونية التى لا مفر منها.
وقررت الأرجنتين ألا تقول شيئاً تقريباً عن استراتيجيتها الاقتصادية، بل إنها بدلاً من ذلك أخبرت الدائنين بتوقع عرض جيد لإعادة هيكلة الديون منتصف الشهر المقبل، مع منحهم أسبوعين فقط لقبوله أو مواجهة عواقب غير محبذة.
وعرض وزير الاقتصاد الأرجنتينى مارتن جوزمان، هدفاً خلال كلمة ألقاها أمام الكونجرس يوم الخميس الماضى، لكنه كان بالكاد يحسب كلماته لطمأنة قلوب حاملى السندات.
فقال إن بلاده لن تحاول حتى خفض عجزها المالى هذا العام، ولكنها ستحاول، بدلاً من ذلك، تسجيل فائض أساسى قدره 1% بحلول عام 2026، أى بعد 3 أعوام من انتهاء فترة ولاية فيرنانديز.
ويظهر عنصر من سياسات حافة الهاوية، فمن مصلحة الحكومة اﻷرجنتينية أن تبدو قوية فى هذه المرحلة، وبالتالى تعهد جوزمان فى البرلمان بعدم السماح للأموال الأجنبية بإملاء أجندة سياسة الاقتصاد الكلى.
والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو طلب نائب الرئيس كريستينا فرنانديز دى كيرشنر، الذى صدر أثناء زيارتها لكوبا فى نهاية الأسبوع الماضى، بقبول صندوق النقد الدولى لخفض رأس المال على قروضه البالغة 44 مليار دولار التى قدمها للأرجنتين.
وأشارت فرنانديز، التى قادت البلاد خلال فترة توليها مقاليد الحكم، نحو تخلف تقنى عن السداد فى عام 2014، إلى أن بوينس آيرس لن تسدد حتى نصف سنت من هذه القروض، إلا إذا خرجت من حالة الركود.
ويمتلك صندوق النقد الدولى، أسئلة صعبة بحاجة إلى إجابة، خصوصاً أنه وافق على إقراض الأرجنتين مبلغاً قياسياً تقدر قيمته بـ 57 مليار دولار لدعم البرنامج الاقتصادى الذى فشل بعد مدة تزيد قليلاً على عام.
وصُرفت معظم الأموال بالفعل عندما غادر الرئيس السابق ماكرى منصبه، مما أعطى صندوق النقد مستوى محدود من النفوذ على حكومة فرنانديز، وكما هو متوقع، كانت ردود فعل الأسواق سيئة تجاه التشدد الأخير للأرجنتين، إذ يشير التداول الثانوى إلى أن الدائنين قد يتوقعون خسارة نصف أموالهم على الأقل، كما أن التخلف عن السداد قد يكون ممكنا إذا انهارت المحادثات.
ولايزال بإمكان إدارة فرنانديز، التراجع، كما فعلت مقاطعة بوينس آيرس مؤخراً عندما رفض الدائنون عرضها لإعادة الهيكلة على السندات الدولارية، ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو عدم وجود استراتيجية واضحة لاستعادة الرخاء، لما ينبغى أن يكون أحد أكثر الاقتصاديات حيوية فى عالم الأسواق الناشئة، والذى ينعم بالموارد الطبيعية الوفيرة، فالضوابط المفروضة على الأسعار وأسعار الصرف وارتفاع الضرائب على الصادرات ووفرة النقود وزيادة مستوى الرعاية الاجتماعية لا تزيد من الرخاء.
وتحتاج الأرجنتين بشكل عاجل إلى خطة موثوقة وشاملة للنمو الذى تقوده الاستثمارات لإعادة إنعاش القطاعات الأكثر تنافسية فى الاقتصاد، مثل الأعمال التجارية الزراعية، ودون ذلك ستخاطر الدولة بالعودة إلى العادات القديمة السيئة المتمثلة فى الانعزالية والتخلف عن سداد الديون.
إعداد: منى عوض
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية