يبدو أن فيروس “كورونا” تسبب فيما لم تستطع العقوبات الاقتصادية الأمريكية القيام به، وهو إيقاف الصادرات غير البترولية الإيرانية.
وأصبحت إيران الآن بؤرة كبيرة لتفشى فيروس “كورونا” خارج الصين، فقد أبلغ المسؤولون هناك عن 61 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل، وتشير بعض التقارير إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير مما تصرح به طهران.
وأغلقت الدول المجاورة لإيران، بما فى ذلك أسواق التصدير الرئيسية فى العراق وتركيا، حدودها مع البلاد وعلقت الرحلات الجوية، وهى قيود يمكن أن تظل سارية لعدة أشهر وستؤثر سلبا على الاقتصاد الإيرانى.
جاء ذلك بعد أن أظهر اقتصاد البلاد علامات على الانتعاش بعد معاناته من الركود العميق دام لـ18 شهراً ونجم عن إعادة فرض إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للعقوبات الثانوية فى نوفمبر 2018.
وفى الوقت الذى قدر فيه صندوق النقد الدولى إمكانية انكماش الاقتصاد الإيرانى بنسبة 9.5% فى عام 2019، نجحت القطاعات غير البترولية فى النمو بنسبة 0.9% فى الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضى، مدفوعة بانتعاش قطاع التصنيع.
واستفادت الصناعة الإيرانية من المرونة التى اتسمت بها الصادرات غير البترولية، التى بلغت قيمتها الشهرية 3.5 مليار دولار فى المتوسط على مدار العام، فقد بلغت قيمة الصادرات الشهرية المتجهة للعراق نحو 650 مليون دولار فى المتوسط خلال العام الماضى، بينما بلغ متوسط الصادرات إلى تركيا نحو 400 مليون دولار.
ولكن الآن، أدخل فيروس كورونا إيران فى عزلة لم تتمكن العقوبات اﻷمريكية من تحقيقها، فالصادرات غير البترولية لن تتمكن من الوصول إلى الأسواق الإقليمية، وفقا لما قاله الكاتب إسفنديار بطمنجيلج، رئيس منتدى “إيران – أوروبا” فى مقال نشرته وكالة أنباء “بلومبرج”.
وهيمنت مخاوف الاقتصاد بالفعل على أسواق العملات الأجنبية فى إيران، فقد خسر الريال الإيرانى نحو 7% من قيمته منذ إعلان المسؤولون عن أول حالتين وفاة مؤكدتين بفيروس “كورونا” فى 19 فبراير، ويمكن أن يعزى بعض الانخفاض إلى إعلان مجموعة العمل المالى الدولية، فى الأسبوع الماضى، بإعادة النظام المالى الإيرانى إلى اللائحة السوداء، ولكن هذا القرار كان متوقعاً منذ فترة طويلة.
وأوضح الكاتب أن المخاوف المتعلقة باندلاع الفيروس وتأثيره على الاقتصاد الإيرانى ستقود أسواق العملات الأجنبية للمعاناة من المزيد من التقلبات، مما يؤدى إلى زيادة التضخم الذى تباطأ إلى حد ما.
وكان الاستهلاك مستقراً بشكل ملحوظ خلال العام الماضى، حتى فى ظل ارتفاع التضخم إلى 40%، ولكن التجار الإيرانيين كانوا يعتمدون على المبيعات التقليدية التى تزداد عادة فى عطلة عيد النوروز، التى تبدأ فى 20 مارس وتستمر لمدة أسبوعين.
ولكن أصبح هذا اﻷمر الآن موضع شك، حيث تعتقد الخبيرة الاقتصادية زهرة كاريمى إن تفشى “كورونا” سيحول دون قيام الأفراد برحلات ومشتريات ومعاملات غير ضرورية، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية فى إيران.
وأشارت إلى أحد المؤشرات المبكرة، فقد انخفض الطلب على خدمات غسل السجاد، وهو جزء من عمليات التنظيف الذى تلجأ إليه الأسر الإيرانية بشكل تقليدى قبل عطلة النوروز، بنسبة 40%.
وأثارت طبيعة الأضرار الاقتصادية انتقاد خبراء الاقتصاد وقادة اﻷعمال بحدة للسلطات الإيرانية، ففى الأيام الأولى من ظهور فيروس “كورونا” بدا المسؤولون قلقين بشكل أساسى من الدبلوماسية العامة مع الصين، لذا واصلت إيران رحلاتها الجوية إلى الصين عندما كانت الدول اﻷخرى تعلق هذه الرحلات وذلك حرصاً على العلاقات التجارية بين البلدين.
وتحدث كثيرون عن حقيقة شحن المصدرين الإيرانيين للوازم النظافة الصحية إلى الصين، مما يساعد بكين فى وقت الحاجة، كما اشتعلت أضواء برج آزادى الشهير فى طهران تضامنا مع الصين ودعوة إلى مساعدة ووهان فى مكافحة الفيروس الفتاك.
ويبدو أن أعمال التضامن هذه قد مُنحت أولوية أعلى من تخفيف التهديد الذى يمثله الفيروس بالنسبة للإيرانيين.
وقال على شريعتى، عضو غرفة التجارة الإيرانية، فى تغريدة ساخرة على موقع “تويتر”: “من أجل مصلحتنا الوطنية، حافظنا على الرحلات الجوية التابعة لشركة “ماهان إير” إلى الصين وأرسلنا لهم 2 مليون قناع طبى، ولكن الآن أصبحنا نعانى من فيروس “كورونا” وليس لدينا أقنعة.. أليس كذلك؟”.
ووصف بيدرام سلطانى، نائب رئيس الغرفة التجارية الإيرانية، فشل الحكومة كدليل على اعتماد اقتصاد البلاد بشكل غير متوازن على الصين، فقد فشل المسؤولون فى إدراك أن تأثر اقتصاد الصين بفيروس “كورونا” سيؤثر سلباً بالتأكيد على التجارة بين البلدين بأية حال.
وفى محاولة مضللة لحماية علاقاتها التجارية مع الصين، تمكنت إيران من استيراد أزمة صحية عامة شاملة.
وأشار الكاتب إلى أن مثل هذه الأخطاء تعتبر أكثر ضرراً فى وقت يوجد فيه انعدام ثقة كبير فى الحكومة بين الكثيرين فى المجتمع الإيرانى، خاصة أولئك الذين واجهوا صعوبات اقتصادية كبيرة خلال العام الماضى.
ويعتقد عباس عبدى، عالم اجتماعى وسياسى بارز، فى تعليقه على ارتباط “كورونا” بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع نطاقا التى تواجهها إيران، أن التدابير التى فرضتها الحكومة لاحتواء الفيروس ربما تزيد الصعوبات التى تواجهها العائلات التى تتعرض لضغوط بالفعل.
وأوضح أنه فى الوقت الذى تسعى فيه السلطات إلى تجنب الأزمة الاقتصادية، ربما تكون القيود المفروضة على استخدام وسائل النقل العام وإغلاق أسواق المواد الغذائية وإجراءات الحجر الصحى ذات آثار خطيرة على العلاقات بين الدولة والمجتمع مثل أثر فيروس “كورونا” نفسه.