بدأ الاستهلاك العالمي على البترول في السقوط الحر، متجهاً نحو تسجيل أكبر انكماش سنوي في التاريخ بعد أن أدخلت المزيد من البلدان تدابير غير مسبوقة لمكافحة تفشي فيروس “كورونا” المستجد.
ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن حظر السفر والعمل من المنزل والإجازات وسلاسل الإمداد المعطلة كلها تعني انخفاض الطلب على الوقود.
وفى الوقت الذى تستجيب فيه المجتمعات لتداعيات الفيروس، فإنَّ الطلب على البترول الذي أصابه بالفعل قرار الصين إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد يتراجع كثيراً.
وفى الوقت الحالى، يقوم تجار البترول والمدراء التنفيذيون ومديرو صناديق التحوط والاستشاريون بمراجعة توقعاتهم بشكل كبير.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن الخوف المتزايد بين العديد من التجار يتمثل فى أن الطلب على البترول الذي بلغ متوسطه أكثر بقليل من 100 مليون برميل يومياً في عام 2019 قد ينكمش أكثر من أي وقت مضى العام الحالى، متجاوزاً بسهولة خسارة ما يقرب من مليون برميل يومياً خلال الركود الكبير في عام 2009 وحاجز 2.65 مليون برميل المسجلة في عام 1980 عندما انهار الاقتصاد العالمي بعد أزمة النفط الثانية.
وقال بيير أندوراند، الذي يدير صندوق التحوط النفطي “أندوراند كابيتال مانجمنت”، إنَّ هذا الوباء العالمي لم يشهده العالم منذ عام 1918 ولا أرى كيف أن انخفاض الطلب لن يكون أضعاف الانخفاض الذي شهدته خلال الأزمة المالية العالمية.
وكشفت بيانات “بلومبرج” انخفاض أسعار البترول بنحو 50% العام الحالى؛ حيث يتزامن تأثير الفيروس المتزايد على الاقتصاد العالمي مع صدمة كبيرة في العرض بعد أن دخلت السعودية وروسيا في حرب أسعار شاملة لضخ المزيد من الخام.
وتوقع بعض التجار، أن أسعار البترول قد تنخفض إلى خانة الآحاد للمرة الأولى منذ حرب الأسعار بين عامي 1997 و1999 التى دارت بين المملكة العربية السعودية وفنزويلا.
وقال سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في مجموعة “ترافيجورا” العملاقة، “لم نشهد تراجع طلب مثل هذا على مدار التاريخ وكل يوم سيكون أسوأ بالنسبة للطلب”.
وتوقع بنك “جولدمان ساكس” أن ينكمش الطلب على البترول بأكثر من 4 ملايين برميل يومياً كل شهر من فبراير إلى أبريل، بينما يرى مستثمرون آخرون انخفاضاً أكبر بكثير في الطلب على المدى القصير.
وتنبأ “أندوراند” بأن الطلب يمكن أن ينخفض بسهولة بمقدار 10 ملايين برميل يومياً في الربع الحالى وما بعده.
وقال جيوفاني سيريو، كبير الاقتصاديين في مجموعة “فيتول” أكبر تاجر بترول مستقل فى العالم، “سنشهد انخفاضاً كبيراً في الطلب على الخام”.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن الهبوط المتسارع في الطلب على البترول يوفر نافذة على الحالة المتدهورة للاقتصاد العالمى؛ حيث تفرض الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة قيوداً على السلوك الاجتماعي الذي يمنع الناس من إنفاق الأموال والتنقل.
وأضافت أن الدلائل على انخفاض الطلب على البترول موجودة في كل مكان؛ حيث قالت شركة “لوفتهانزا” الألمانية، إنَّها قد تقلل من عدد الرحلات بنسبة تصل إلى 70% في الأيام القليلة المقبلة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى أغلقت فيه إيطاليا وإسبانيا فعلياً حدودهما وأدخلتا أكثر من 100 مليون شخص فى الحجر، بينما يقوم العديد من الدول الأوروبية الأخرى بإغلاق المدارس.
وبالنسبة لسوق البترول، فإنه مرآة لما حدث في الصين في وقت سابق من العام، ولكن على نطاق أوسع بكثير.
ففي ذروة تفشي الفيروس في الصين في فبراير، انخفض الطلب على البترول في البلاد بنسبة 20% على الأقل، أو حوالى 3 ملايين برميل يومياً.
وتستهلك الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وكندا 31 مليون برميل يومياً، ما يعني أن انخفاض النسبة المئوية المماثلة في الاستهلاك الذي عانت منه الصين سيؤدي إلى خفض الطلب بنحو 6 ملايين برميل يومياً.
وقالت شركة “ترافيجورا”، إنَّ الاستهلاك قد ينكمش قريباً بما يقرب من 10 ملايين برميل يومياً أو 10% من الطلب العالمي مع المزيد في المستقبل.
وخفَّض مستشارو البترول توقعاتهم للطلب بشكل ملحوظ خلال اليومين الماضيين؛ حيث تعتقد شركة “آى إتش إس ماركيت”، أن الاستهلاك سينخفض بنسبة 1.42 مليون برميل يومياً في المتوسط العام الحالى.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، في توقعاتها التى تم نشرها يوم 9 مارس الحالى، إنَّ الطلب على البترول في عام 2020 سينكمش بنحو 90 ألف برميل يومياً.