قدامى المحاربين في قطاع الطاقة يستعدون لعاصفة متقلبة تقودها السعودية وروسيا
عندما انهار سعر برميل البترول عام 2014، لم يكن لدى حكومات العالم أي اتفاق لمكافحة تغير المناخ، ومنذ وقع القادة فى عام 2015 على اتفاق باريس بشأن المناخ، ارتفعت الاستثمارات الخضراء. ومن ذلك الحين تم ضخ حوالي 1.2 تريليون دولار في الطاقة المتجددة وبلغت مبيعات السيارات الكهربائية العالمية 2 مليون سيارة العام الماضي.
وتتوقع وحدة “بلومبرج لتمويل الطاقة المتجددة” أن يتم ضخ ما يصل إلى 10 تريليونات دولار في الطاقة النظيفة بحلول عام 2050.
ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن الاتفاق الذى تم توقيعه منذ 5 سنوات يمثل أيضًا نقطة تحول ثقافية، إذ أصبحت أهداف الانبعاثات الآن خاضعة لحركة بيئية متنامية تعمل على تشكيل السياسة من ألمانيا إلى الهند.
ولكن منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية وروسيا، الأسبوع قبل الماضي، حرب أسعار، تسبب ذلك فى حدوث فوضى في الأسواق العالمية التي أصابها بالفعل فيروس “كورونا”.
وقال شين توملينسون، نائب الرئيس التنفيذي في مركز “إي 3 جي” للأبحاث البيئية: “يمكن أن نرى حركات استثنائية في سعر البترول في الأشهر القليلة المقبلة. لكنني لا أعتقد أن هذا يغير الحاجة الأساسية لمعالجة تغير المناخ”.
اشارت “بلومبرج” إلى أن انخفاض البترول إلى نحو 35 دولارًا للبرميل مقارنة بحوالى 55 دولارًا في الأسبوع الماضي ، له آثار كبيرة على معالجة تغير المناخ إذ إن انخفاض الأسعار يحفز استخدام المزيد من البترول.
أضافت أن هذا التراجع يضغط على ميزانيات شركات البترول وتضع مشاريع الطاقة النظيفة موضع شك؛ وتشعر بعض الحكومات بالضغط من أجل دعم الشركات المتعثرة، وكل هذا يؤدي إلى زيادة الانبعاثات التى هى بمثابة أخبار سيئة للاحتباس الحراري.
ومع ذلك، إذا استمرت الأسعار المنخفضة هذه المرة فإنه سيكون هناك إيجابيات كبيرة لمكافحة تغير المناخ،وأصبحت الطاقة المتجددة صناعة أكثر نضجًا مقارنة بخمس سنوات مضت.
ونظرًا لأنه أصبح استثمارًا أقل مخاطرة، فقد اجتذب القطاع كبار المستثمرين الذين يمطرون الكثير من المال وبناء بعض المشاريع التي تنافس قدرة محطات الطاقة التقليدية.
وفي الوقت نفسه، أصبح التنقيب عن البترول أقل قابلية للتطبيق من الناحية الاقتصادية، مع زيادة المخاطرة المتمثلة في عدم تحقيق عوائد جيدة مع تزايد المخاوف بشأن الأصول المتعثرة.
وقال مارك لويس، رئيس قسم الاستدامة في بنك “بى إن بى باريبا”: “ليس من المنطقي الآن تقليل استثماراتك في مصادر الطاقة المتجددة، إذا تراجع سعر البترول .. ولكن من المنطقي أكثر تقليص استثماراتك في النفط”.
يشير هذا الواقع إلى تغيير أوسع في شعور المستثمرين منذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ والذى يؤثر على الشركات والحكومات على حد سواء.
واجتمع عدد من كبار المستثمرين ضمن مجموعات مثل “كليمات أكشن 100” لمطالبة الشركات بوضع الاستدامة في صُلب نماذج أعمالهم، ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك فى وقت قريب.
وأصبحت “تسلا” بالفعل نموذجا عن كيفية رؤية الاقتصاد الأخضر من قبل المستثمرين، إذ أظهرت الشركة أن السيارة الكهربائية فكرة قابلة للتطبيق، مما دفع جميع صانعي السيارات الرئيسيين إلى اتباع هذا النهج.
ويقوم إيلون ماسك، مؤسس “تيسلا”، ببناء مصنع خارج برلين، للكشف عن نيته نقل المعركة إلى قلب أكبر منتج للسيارات الفاخرة في أوروبا.
وأشارت الوكالة الأمريكية، إلى أن شركة “تسلا” هي صاحبة المرتبة الثانية في العالم من حيث القيمة لصناعة السيارات بعد شركة “تويوتا” اليابانية.
وبالنسبة للحكومات في جميع أنحاء العالم، فقد تصاعد الضغط من أجل اتخاذ تدابير سياسية صديقة للبيئة مع تزايد صدى القضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نوع العمل المباشر والحملات الإعلامية.
وذكرت “بلومبرج” أن أسعار البترول المنخفضة تقدم أحد الأسباب للاستجابة لدعوة الناخبين، لأنه وقت مناسب لإنهاء دعم الوقود الأحفوري أو زيادة الضرائب على استهلاك الوقود.

ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تساعد أيضًا في تجنب أنواع الاحتجاجات المناهضة للحكومة المزعزعة للاستقرار التي شوهدت في فرنسا وإيران والإكوادور، عند اقتراح ارتفاع أسعار الطاقة.
وقالت هيلين ماونتفورد، نائب رئيس المناخ والاقتصاد في معهد الموارد العالمية، إنه يمكن القيام بذلك بطريقة تحمي أو حتى تفيد الأسر والمجتمعات الفقيرة.
وخلال الدورة الهابطة الأخيرة لأسعار البترول بين عامي 2014 و2016 عندما انخفض الخام لفترة وجيزة إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل، خفضت الهند إعانات الوقود الأحفوري السنوية من 29 مليار دولار إلى 8 مليارات دولار ورفعت الضرائب المفروضة على الاستهلاك.
وتم تحويل بعض الأموال التي تم جمعها إلى دعم الطاقة المتجددة، بعد تحديد هدف طموح لإنتاج ما يصل إلى 175 جيجاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل رئيسي بحلول عام 2022 أي ضعف قدرة توليد الطاقة في المملكة المتحدة.
وقال عدنان أمين، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة المتجددة ، إن العديد من الدول تسعى إلى الكهرباء والتخلص من الكربون لتقليل الاعتماد على تقلبات أسواق البترول.
ومنذ عام 2014 أيضًا، ضعفت قوة منظمة “أوبك” البالغ عددها 14 دولة في تشكيل السوق بسبب تأثير إنتاج البترول الصخرى في الولايات المتحدة.
وأصبحت الولايات المتحدة التي ليست عضوًا في المنظمة مصدرًا صافيًا للبترول مرة أخرى على خلفية ثورتها الصخرية، إذ تفوقت على روسيا والسعودية في عام 2018 وأصبحت أكبر منتج للخام في العالم.
ومع ذلك، فإن انهيار أسعار البترول يضعف من قدرة صناعة البترول الصخرى على تحقيق ربح .. بل ربما يدفع بعض المنتجين نحو الإفلاس، مما يزيد من عدم اليقين الاقتصادي المحيط بالفيروس الذي قد يضر بإعادة انتخاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لفترة ولاية ثانية.