92.5 تدفقات خارجة من الأسواق الناشئة خلال 70 يوماً وفقاً للتمويل الدولى
ترك النزوح الضخم لرأس المال من الاقتصادات الناشئة، كثيراً من الدول فى “وضع سيئ”، إذ يمكن لأنواع تدابير التحفيز النقدى والمالى، التى يوظفها العالم الغنى أن تجعل الأمور أسوأ.
وأوضحت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن انخفاض أسعار الفائدة بإمكانه مساعدة الأسر والشركات، ولكن عدداً متزايداً من الدول يخفض أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة للغاية بدرجة لا تعوض حتى عن التضخم، مما يحفز انسحاب الأموال الأجنبية.
ويمكن أن يثير التوسع المالى نوعاً من أنواع مخاوف التمويل، التى لاتزال تؤثر على الدول الناشئة، مما يزيد احتمال خفض التصنيف الائتمانى ويدعو إلى عمليات إنقاذ دولية.
وقال بارى إيتشنجرين، الاقتصادى لدى جامعة كاليفورنيا فى بيركلى: “يجب أن نشعر بالقلق حيال الأسواق الناشئة، فبالإضافة إلى معاناتهم بشكل غير متكافئ من انهيار أسعار السلع الأساسية وسلاسل الإمداد والتجارة والإنفاق، فهم يواجهون بكل وضوح توقف مفاجئ فى تدفقات رأس المال”.
الخطيئة الأصلية
اشتهر إيتشنجرين وزميله الخبير الاقتصادى ريكاردو هاوسمان، بأنهما وصفا السبب الأساسى للأزمة المالية الآسيوية فى نهاية التسعينيات بأنه الخطيئة الأصلية للاعتماد المفرط على الاقتراض بالعملات الأجنبية.
وفى الوقت الذى عملت فيه العديد من الأسواق الناشئة، جاهدة لمعالجة تلك المخاطر- من خلال تأسيس أسواق الدين المحلية ومراكمة الاحتياطيات الأجنبية كداعم لأوقات الاضطرابات، لاتزال المشاكل القديمة نفسها مستمرة فى الظهور.
فكما هو الحال خلال الأزمة المالية العالمية ونوبة الغضب في عام 2013، نتيجة إعلان الولايات المتحدة عن تخلصها التدريجي لبرنامج التيسير الكمي وصدمة انخفاض قيمة العملة الصينية في عام 2015، تشهد الدول النامية هروب رأس المال.
ويبدو أن الأمور أسوأ مما كانت عليه في الماضى، فقد أظهرت بيانات معهد التمويل الدولى هروب نحو 92.5 مليار دولار من استثمارات الأسواق المالية قصيرة الأجل من الأسواق الناشئة، على مدار 70 يوماً بداية من 21 يناير الماضي، عندما بدأ فيروس كورونا الانتشار بشكل أكبر في الصين.
وهذا الرقم يمثل أكبر تدفقات خارجة، مقارنة بإجمالى التدفقات الخارجة في كل من الاضطرابات الثلاثة السابقة التى تقل عن 25 مليار دولار خلال الفترة المماثلة.
ومع ذلك، لاتزال الصين تتمتع باستثناء كبير، خصوصاً أنها لاتزال تستفيد من التدفقات المتنوعة، فى ظل افتتاحها ثانى أكبر سوق للسندات فى العالم أمام المستثمرين الأجانب، كما أن الجهود القوية التى بذلتها الصين لاحتواء تفشى الفيروس ساعدت سوق أوراقها المالية فى التفوق على نظرائه العالميين.
وفى الوقت نفسه، شهد آخرون بداية مريعة لعام 2020، إذ منح مؤشر “إم.إس.ﺳﻲ.آي” للأسهم، باستثناء الصين، المستثمرين خسارة بنسبة 31% فى الربع السنوى الأخير، وهو أسوأ من انخفاض مؤشر أسهم الاقتصادات المتقدمة البالغ 21%، كما شهدت البرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا والمكسيك تراجع عملاتها بأكثر من 20% مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الـ3 الماضية.
وقال الاقتصاديان فى “بلومبرج” سكوت جونسون وتوم أورليك: “إذا ظلت الاقتصادات المتقدمة مغلقة خلال النصف الثاني، فإن الأسواق قد تبدأ في اختبار قدرة البنوك المركزية على دعم النظام، أما بالنسبة للأسواق الناشئة فيمكن أن تتبلور المشاكل فى وقت أقرب”، مشيراً إلى أن الاعتماد على التدفقات الخارجية كان أكبر مما كان عليه فى عام 2008، ولكن هذه التدفقات تنفد الآن.
وأكد رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجية فى بنك “ميزوهو” فى سنغافورة، فيشنو فاراتان، أن التعارض القائم بين انخفاض أسعار الفائدة لعزيز الاقتصاد، ولكنها ليست منخفضة لدرجة تعريض استقرار الاقتصاد الكلي والعملات الأجنبية للخطر، يعتبر معضلة سياسية دائمة بالنسبة للبنوك المركزية.
تكاليف الديون
يعتبر انخفاض قيم العملات المحلية مؤلماً بشكل خاص للشركات فى الدول النامية التي رفعت ديونها الخارجية، إذ تشير بيانات معهد التمويل الدولى إلى أن نحو 13% من جميع ديون الشركات العاملة فى الأسواق الناشئة مقومة بالدولار، بانخفاض طفيف عن 15% فى عام 2009.
ورغم أن “الاحتياطى الفيدرالى” رفع معروض الدولارات فى الخارج، مما ساعد على تجنب تجميد البيع بالجملة فى أسواق صرف العملات، إلا أنه لايزال غير قادر على معالجة التكلفة المتزايدة لخدمة الديون مع ارتفاع قيمة الدولار، كما أن التباطؤ أو الانكماش الحاد للاقتصادات سيؤدى أيضاً إلى هدر الإيرادات، مما يفاقم احتياجات الاقتراض التى تتوسع بفضل المبادرات المالية لمنع التدهور الأعمق نطاقاً.
وشهدت المكسيك وجنوب أفريقيا، بالفعل، انخفاضاً فى تصنيف الديون، فى حين تواجه الأسواق الحدودية، التى اعتمدت على التمويل الخارجى، تكاليف تمويل أعلى بشكل حاد كلما طالت فترة الاضطرابات الحالية، كما خفضت وكالة “فيتش” تصنيفها الائتمانى فى كولومبيا أيضاً.
وقال رئيس القسم العالمى للتصنيفات السيادية لدى “فيتش”، جيمس ماكورماك، فى تصريحات لتلفزيون “بلومبرج” خلال الأسبوع الماضي، إن عدداً قليلاً للغاية من الدول معرض لخفض التصنيف.
بالإضافة إلى ذلك، دعا محللو بنك “جي.بي مورجان”، صندوق النقد الدولي إلى تكثيف تقديم الائتمان للأعضاء المعرضين للخطر بشروط ميسرة، خصوصاً أن جنوب أفريقيا أشارت بالفعل إلى أنها ربما تحتاج إلى مساعدة الصندوق للمرة الأولى، فى حين تسعى إكوادور وزامبيا إلى إعادة تنظيم ديونها، مما يثير مخاوف التخلف عن السداد.
وكتب محللو “جي.بي مورجان”، بما في ذلك نورا سينتيفاني، في مذكرة خلال الأسبوع الماضى: “من غير المرجح تقييم الديون على أنها مستدامة بالنسبة للعديد من الدول، التي قد تكون احتياجاتها التمويلية كبيرة، حتى مع الافتراضات الحميدة للغاية، مثل بقاء أسعار الفائدة العالمية بالقرب من صفر لفترة زمنية طويلة”.