لا يعاني قطاع التصنيع، وحده، من الاضطرابات اللوجيستية؛ فمع إغلاق مزيد من الدول، لاقتصاداتها بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا، تزداد المخاطر على شبكات توريد الغذاء العالمية المعقدة. وقد تؤدي العقبات في المعالجة والنقل، إلى ارتفاعات مؤلمة في أسعار كثير من البضائع الطازجة، حتى إذا تمكنت المزارع في الأسواق المتقدمة من مواصلة العمل خلال تفشي الفيروس، والصورة ليست قاتمة تماما.
فعلى المستوى العالمي، تبدو مخزونات الذرة والقمح وفول الصويا والأرز أكثر صحة مما كانت عليه خلال فترات ارتفاع أسعار الغذاء، ورغم أن بعض الأسعار تتجه لأعلى، فإن الزيادات لم تطل جميع السلع الغذائية.
فالسكر والذرة تراجعا بسبب انخفاض الطلب من منتجي الوقود الحيوي مع تراجع أسعار أسعار البترول، وفي الوقت نفسه سيساعد انخفاض أسعار الأسمدة والبترول، في تخفيف بعض التكاليف الأخرى المتزايدة على المزارعين.
ومع ذلك، وفي ظل ارتفاع معدلات العدوى، ثمة العديد من العلامات المثيرة للقلق.
فعلى سبيل المثال منعت كازاخستان صادرات الحنطة السوداء ودقيق القمح للحفاظ على الإمدادات المحلية. وقد تحد روسيا، أكبر منتج للقمح عالميا، من بعض مبيعاتها الخارجية وهو تهديد رفع الأسعار بالفعل.
وتخزن فييتنام الأرز، وعلقت عقود التصدير الجديدة.
وخلال ارتفاعات الأسعار في الفترة من 2006 إلى 2008، تسببت سلوكيات مثل هذه الأخيرة، في ارتفاع سعر الأرز بنسبة 45%، وتقريبا 30% لأسعار القمح، وفقا لدراسة نشرها البنك الدولي.
وحتى الآن، مثل هذه التدابير الحمائية ليست المعيار، فكازاخستان بعد كل شيء تشكل أقل من 5% من صادرات القمح، كما أن حصاد الحبوب يبدو وفيرا. وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن يرتفع إنتاج القمح عالميا بنسبة 5% تقريبا العام الحالي، في حين سيكون إنتاج الأرز مشابها للعام الماضي.
ومع ذلك، فإن توريد بعض المنتجات الرئيسية قد يتعرض للقيود المتزايدة التي تفرضها الدول التي تحاول بيأس احتواء الفيروس.
وبعد سنوات من تراجع أسعار الغذاء، ظهرت العديد من العوامل التي تدفع الأسعار لأعلى حتى قبل فيروس كورونا ، منها الجفاف الحاد في جنوب شرق آسيا واستراليا، واندلاع انفلونزا الخنازير في الصين التي دمرت أكبر منتج للحم الخنازير في العالم.
ومؤخرا شهدت كينيا وباكستان والهند وغيرها هجوم أسراب من الجراد، وقالت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة في يناير، إنه حال عدم ضبطها سيزداد انتشار الحشرات المدمرة للمحاصيل بمقدار 500 مرة بحلول يونيو، وقد تأكل جرادة الصحراء ما يعادل وزنها في يوم واحد – حوالي 2 جرام – وتحتوي الأسراب على مئات الملايين من الجراد.
ورغم أن الأسعار لا تزال دون مستويات 2008 و2011، توجد بعض اللمحات عن كيف يمكن أن يتغير الوضع سريعا.
وارتفعت أسعار الغذاء أكثر من الخمس في الصين، خلال يناير على أساس سنوي منذ ظهور الوباء.
وتضاعفت أسعار لحم الخنازير.. أما الأرز فيتعرض بالفعل للتأثير المتعدد للجفاف وارتفاع الطلب من الأسر التي تكدس السلعة، بجانب القيود على التصدير.
وقفزت أسعار الأرز التايلندي الأبيض للأسبوع السادس على التوالي لأكثر من 500 دولار للطن المتري، وهو أعلى مستوى منذ 2013، ومثل هذه المكاسب تشجع سياسات إفقار الجار وتكون على حساب الجميع.
وهناك أيضا عقبات سببتها القيود المرتبطة بالفيروس، وشهدت عمليات التسليم واللوجستيات مشكلات منذ بداية الاندلاع، وأعاقت عقبات النقل عبر المحيط الهادي التصدير إلى الصين من الولايات المتحدة، أما في الصين عانى منتجو الماشية لنقل منتجاتهم حتى داخل الدولة ووجدوا أنفسهم غير قادرين حتى على إرسال دواجنهم وبيضهم إلى السوق، وهي مشكلة يمكن أن تتكرر بسهولة في أماكن أخرى، ويحذر متداولو القهوة بالفعل من توقف وإغلاقات في البرازيل والسلفادور وكولومبيا، كما تزيد مشكلات الشحن والتفريغ من التقلبات.
وتمثل العمالة مصدر قلق آخر؛ فالقيود الناتجة عن الفيروس تمنع العمالة مثل الموزعين والقاطفين من التحرك عبر الحدود.
فالعمالة التي تهاجر إلى المزارع في فرنسا أو تتجه لجمع الفاكهة في استراليا قد تجد صعوبة في الانتقال إذا لم تكن متواجدة هناك بالفعل.
وشجع وزير الزراعة الفرنسي، الأسبوع الماضي، العاطلين عن العمل على التوجه إلى المزارع، ومن غير الواضح كم عدد الذين سيستجيبون لدعوته وبأي سعر.
وتواجه العديد من العمالة كذلك خطورة أن يمرضوا، وهو ما يهدد الأجزاء الأكثر كثافة بالعمال في القطاع، ومنها مزارع زيت النخيل أومصانع معالجة اللحوم.
وتشير مدير قسم أبحاث السلع في “فيتش سولوشنز”، أوريليا بريتيش، إلى أن العمالة المريضة يمكن أن يكون لها تأثير مدمر، فقد أغلقت أكبر مقاطعة لإنتاج زيت النخيل في ماليزيا حتى منتصف أبريل بسبب مرض بعض العمال.
وفي معظم أجزاء العالم حافظت السياسات الاستباقية على سير الامور، ويتعين على الحكومات تشجيع التجارة بدلا من تكديس السلع والبضائع على المستوى الوطني، ومع انتشار الفيروس أكثر، يتعين على الدول الأكثر ثراء مساعدة الدول النامية خصوصا تلك المتضررة من ارتفاع فاتورة الاستيراد وضعف العملات.
وتعد تعطيلات التوريد حتمية في القطاع الغذائي، ولكنها لا يجب أن تتحول إلى أزمة غذاء عالمية.
بقلم: كلارا فيريرا ماركيز، كاتبة مقالات رأي لدى “بلومبرج” تغطي السلع والقضايا البيئة والاجتماعية والحوكمة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: بلومبرج