العالم سيشهد فك الارتباط بشكل أكبر والبدء فى توطين الصناعات داخل الدول
حذر الدكتور محمود محى الدين الخبير الاقتصادى المصرى، من قيام الدول بوقف صادراتها، بسبب أزمة فيروس كورونا، واصفا إياه بأخطر ما يمكن فعله، لأن قليل من الدول يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتى، وهو ما يتطلب تنسيقا عالميا حتى لا تحدث أزمة كبيرة جدا.
واعتبر أن العالم يمر حاليا بمرحلة فراغ عالمى، لا يقاد من أى جهة، ولا يمكن لأى دولة أو مجموعة دول السيطرة، ويشهد النظام العالمى حاليا مجموعة كبيرة من الأزمات والمشكلات، أولها الأزمة الصحية، وأزمة ركود الاقتصاد العالمى، وأزمة الديون، والأزمة المالية، ومشكلات تتعلق بأسواق السلع الغذائية والنفط، متوقعا البدء فى توطين الصناعات داخل الدول، ومشيرا إلى أن الاقتصاد العالمى دخل بالفعل مرحلة الركود.
جاء ذلك فى محاضرة عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، عبر الإنترنت لأول مرة، مساء أمس، بعنوان: “الاستعداد للواقع الجديد”، تحدث خلالها محمود محى الدين عن رؤيته لتغيرات الاقتصاد والنظام العالمى فى عالم ما بعد كورونا، بحضور عدد كبير من الخبراء والمتخصصين ورجال الاقتصاد والإعلام.
وقال محى الدين إن هناك عالم جديد يتجه نحو الشرق، وذلك حتى من قبل الأزمة الحالية، وازداد هذا الاتجاه بعد الأزمة، والشرق هنا لا يعنى فقط الصين، وهو توجه يقلق الغرب، كما سيكون هناك اختلاف تام فى شكل العولمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء فى توطين الصناعات داخل الدول، مشيرا إلى أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثانى والثالث.
وأكد محى الدين أن دول العالم لم تستفد من أزمات الجوائح الصحية السابقة مثل أنفلوانزا H1N1، رغم وجود توصيات دولية بالاهتمام بالرعاية الصحية.
وأضاف أن الدراسات الخاصة بتقييم المخاطر خاصة التى تصدرها شركات التأمين العالمية وضعت أخطار الأمراض والأوبئة فى مرتبة متأخرة بين الثامنة والعاشرة، وهو ما يشير إلى تغييره بالكامل خلال المرحلة المقبلة.
ركود الاقتصاد العالمى
ولفت محى الدين إلى أن الاقتصاد العالمى دخل بالفعل مرحلة الركود، طبقا لإعلان صندوق النقد الأسبوع الماضى، فبعد أن كانت التقديرات تشير إلى تحقيق نمو للاقتصاد العالمى نسبته 2.6%، سيتحول النمو إلى -1.5%. وأشار إلى أن الأسواق الناشئة متوقع أن تحقق نموا إيجابيا نسبته 1%، ولكن قياسا إلى متوسطات الدخول المنخفضة مع النمو السكانى المرتفع فى هذه الدول، فإن هذه النسبة تعدا نموا “سيئا للغاية”، ومن المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو يتراوح بين 1 – 3.3% وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق على مدار تاريخ وجودها، وهو ما يشير إلى أننا فى مشكلة كبيرة بالفعل.
وتابع: “وطبقا لمنظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر سوق العمل ما بين 5 إلى 25 مليون عامل حول العالم، وهذه التوقعات كانت مقدرة قبل الإعلان رسميا عن دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود، وهو ما يعنى أن هذه الأرقام مرشحة للتزايد”.
أزمة أسواق المال
وحول أزمة أسواق المال، أكد أنها ليست أزمة تمويل، ولكنها أزمة سببها صدمة عرض وطلب نتيجة أزمة صحية بالأساس، لافتا إلى أنها تعطى مؤشرات للتعافى من عدمه، وهو ما ظهر عندما أقرت الدول حزم تحفيزية لتنشيط اقتصاداتها وعلى رأسها الولايات المتحدة التى أقرت حزمة ضخمة قيمتها 2.5 تريليون دولار، وتابع “إذا لم يكن الاقتصاد الحقيقى سليم، فسيحدث خروج من أسواق المال”.
وتحدث محى الدين عن هبوط أسواق النفط، والتى ترتبط بجانب العرض واستشراف ما سيحدث وبالتالى جانب الطلب، مطالبا مصر بالتفكير فى عقود شراء طويلة الأجل للنفط.
وقال إن مصر يمكن أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط العالمية باعتبارها مستوردا، حيث تتراجع أسعار البنزين وتستفيد القطاعات الإنتاجية، ولكن على الجانب الآخر ستتضرر نتيجة تأثر تحويلات العاملين بالخارج وتراجع الصادرات إلى المنطقة.
أزمة الديون
وعن أزمة الديون، أشار محى الدين إلى وجود مشكلة إدارة دين على المستوى العالمى من قبل الأزمة الحالية، معربا عن تخوفه من دخول العالم فى أزمة جديدة هى أزمة الغذاء.
وقال إن الأزمة الحالية تختلف كثيرا عن الأزمات السابقة فى 2008 و2010، فنحن الآن نعانى من مشكلة عرض نتيجة انتشار فيروس كورونا، وهو ما يتطلب وجود ما أطلق عليه “قنوات خضراء” تسمح بانتقال البضاعة وعمل الاقتصاد فى الوقت الذى يجب أن نلتزم فيه بالتباعد.
توقعات النمو الاقتصادى فى مصر
وعلق محى الدين عن توقعات النمو الاقتصادى فى مصر، مؤكدا أنه لا يجب العمل على افتراضات غير واقعية لمعدل النمو، حيث يجب أن تنخفض إلى النصف على الأقل، بما يعنى أنه إذا كانت التقديرات الأولى للنمو 5% فيجب أن تكون التقديرات بعد الأزمة 2.5%.
وشدد على أهمية التركيز بشكل جدى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، وهى أكثر الدروس المستفادة من الأزمة، مطالبا الحكومة المصرية بوضع أولوية للتأمين الصحى الشامل وتطبيقه فى جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب.
ودعا لمراجعة أولويات الموازنة العامة، حيث يجب إيجاد منظومة جديدة تماما للإنفاق العام بأولويات جديدة تأخذ فيها الدولة دورا أكبر فى مجالات الرعاية الصحية والتعليم وتوطين الاستثمار فى التكنولوجيا والبنية التحتية دون ان تزاحم القطاع الخاص والقطاع العائلى.
وأكد أن قطاع التعليم سيشهد تغييرات جوهرية نتيجة الأزمة، حيث سيكون التوجه نحو التعليم عن بعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة، لافتا إلى أن موضوع التابلت يوفر الأجهزة المطلوبة لهذا النوع الجديد من التعليم.
ووصف الأزمة بأنها صحية اجتماعية اقتصادية، لن يستفيد منها أحد، فالجميع متضرر، ولكن هناك فرص أمام مصر تتمثل فى الاستثمار فى الصحة والتعليم وجعلهم أولوية، والاهتمام بالاستثمار فى البنية التحتية والمواصلات العامة، والاستثمار فى التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى وتوطين هذه الصناعة، ودعا إلى ربط كافة الوحدات الصحية فى جميع القرى بالتكنولوجيا وتعيين أطباء أكفاء، وتوطين التنمية لا مركزيا، فما يميز دولة عن أخرى هو أن يكون فى كل قرية أو مدينة صغيرة قدرات تلبى الحد الأدنى من الأمور الحياتية.
الحزم التحفيزية لمواجهة كورونا
وتطرق محى الدين للحديث عن الحزم التحفيزية التى خصصتها دول العالم لمواجهة الأزمة والتى تقدر بنحو 5 تريليون دولار، لافتاً إلى أن العالم فى حاجة إلى نحو 2.5 تريليون دولار إضافية، وهو ما سيسبب زيادة فى عجز الموازنات العامة وزيادة فى الديون، وهو ما دعا صندوق النقد والبنك الدوليين للحديث عن تأجيل سداد الديون من أجل مساعدة الدول على مواجهة الأزمة.
وعن حزمة الـ100 مليار جنيه التى خصصتها مصر لمواجهة الأزمة، توقع أنه سيكون هناك احتياج لمبالغ إضافية، ويمكن الاستفادة من تراجع سعر الفائدة فى تخفيض تكلفة التمويل، ولكن هذا يتطلب إدارة جيدة ومتكاملة لعدة سنوات قادمة، كما يمكن أيضا لمصر تعميق التصنيع المحلى فى عدد قطاعات، حتى نقلل حجك الواردات.
وشدد محى الدين على أهمية زيادة الاستثمار فى رأس المال البشرى وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتوسيع شبكة التأمينات الاجتماعية والصحية فى القطاعين العام والخاص.
وقال محى الدين إنه “أكثر تفاؤلا بما بعد الأزمة، فهناك إمكانية كبيرة لتحقق تطور كبير فى المجتمع المصرى إذا ما أحسنا فهم الدروس من الأزمة، فنحن أمام واقع جديد وعالم مختلف”.