جثى قطاع البترول العالمي، على ركبته ودون تحرك من المنتجين لتقليل المعروض. وسيزداد الوضع سوءا مع نفاد أماكن تخزين البترول حول العالم، وقد يؤدي الخفض الكبير في الإنتاج إلى تأجيل الوصول إلى نقطة التحول ربما لوقت كافي، كي يرتفع الطلب مجددا. ولكن لن يحدث هذا قبل أن يلعب الجميع أدوارهم.
واضطربت أسواق البترول يوم الخميس، عندما غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن السعودية وروسيا اتفقتا على خفض الانتاج. ولكن تبين لاحقا من تعليقات الرياض وموسكو أنه لم يتعهد أي طرف بأي شيء لا خفض بمقدار 15 مليون برميل ولا 10 ملايين، ولا أي شيء على الإطلاق.
وفي الواقع، لم يتحدث قادة روسيا والسعودية حتى مع بعضهم البعض، وربما أراد ترامب إيقاعهم مع بعضهم البعض، ويطلق تعهدا خياليا بتخفيضات لن تتحقق مما سيعطيه عذرا لإحياء شخصية التعريفات، ويفرض رسوما على واردات بترولهم إلى الولايات المتحدة.
ولكن من الواضح أن شيئا تغير، حتى وإن كان في النبرة فقط، وتسعى السعودية جاهدة الآن لإبرام اتفاق عالمي لخفض إنتاج البترول، ليس فقط من قبل منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” ولا حتى مع تحالف “أوبك بلس” الذي يتضمن روسيا، وإنما تطالب باجتماع “طارئ” يستهدف “التوصل لاتفاق عادل لاستعادة التوازن المرغوب في أسواق البترول” بين مجموعة “أوبك بلس”، والدول الأخرى.
وتقول المملكة العربية السعودية بوضوح مؤلم، إن التضحية ينبغي مشاركتها بين الجميع، وإلا لن تشارك فيها على الإطلاق. وهو تكتيك استخدمته المملكة من قبل، ويظهر السقوط الحر في أسعار البترول أنها التزمت بكلمتها.
وكانت المملكة هي القوة الدافعة وراء التخفيضات المقترحة سابقا ولكنها قالت حينها – كما تقول الآن – إنها لن تلتزم بها إذا لم يفعل الآخرون. ولكن الشيء الوحيد المختلف الآن هي أن كلمة “الآخرون” أصبحت تشمل مجموعة أكبر من الدول، وهم جميع منتجي البترول الكبار في العالم.
ولكن ما الذي يتعين على السعودية القيام به؟
يجب أن تقترح السعودية في الاجتماع الافتراضي لمنتجي البترول – الذي تأجل إلى يوم الخميس المقبل، بدلا من يوم الاثنين – خيارين واضحين لا ثالث لهما وإنذارا لا لبس فيه حتى لهؤلاء الذين لم يحضروا. فإما أن يتفقوا جميعا على تطبيق خفض في الإنتاج صارم وقابل للمراقبة، أو توضح السعودية أنها ستواصل ضخ 12.4 مليون برميل يوميا وهو ما سيدفع الأسعار للانهيار إلى رقم أحادي ويجبر الشركات على الخروج من السوق.
ويمكن حتى أن تذهب المملكة إلى حد إعداد قائمة لكل الدول التي ينبغي أن تشارك، وبجانب أمريكا ودول مجموعة “اوبك بلس”، ينبغي أن تتضمن القائمة كندا والصين والبرازيل وقطر والنرويج وبريطانيا التي تضخ كل واحدة منهم أكثر من مليون برميل يوميا.
وبالتأكيد ستكون هناك عوائق يجب التغلب عليها. فالبعض على هذه القائمة قد يكون أكثر رغبة في المشاركة من البعض، ولكن البديل سيضر قطاعات البترول في الدول على هذه القائمة أكثر من السعودية. وفي كل الأحوال سيحدث انهيار في أسعار البترول إذا لم يكن الخفض كبيرا بما يكفي أو إذا تم تأجيله.
وأنا أعرف كثير من الأشخاص الذين قد يجادلون بأن السعودية تحتاج لسعر بترول أعلى من منتجي البترول الصخري لتمويل موازنتها، ولكنني لست مؤيدا كبيرا لاستخدام سعر تعادل الموازنة لتحديد الألم النسبي الذي سيشعر به منتجو البترول. فالموازنات إلى حد ما تعكس توقعات الأسعار.
فإذا كنت تتوقع أن يتداول البترول عند سعر 60 دولارا للبرميل، فستعد موازنتك وفقا لمستوى الدخل المتوقع. وإذا لم يتحقق هذا المستوى، فالدول تخفض النفقات أو تسحب من الاحتياطي أو تقترض وكلها خيارات لا تزال متاحة للسعودية.
ومع ذلك، ستواجه السعودية نفس مشكلة التخزين كالجميع، ولا يغيب على أحد أن السعودية قالت إنها ستعزز الصادرات في مايو إلى 10.6 مليون برميل يوميا لأن مصافيها لا تريد كل ذلك الخام بسبب تراجع الطلب.
ولكن المصافي في الأماكن الأخرى قد لا تريده أيضا، وسيتعين على السعودية إعادة ملء مخزوناتها أيضا بعد أن استنفدتها خلال السنوات الأربع الماضية. لكنها لديها قدرة تخزينية ضعف المتاحة في الاحتياطي الاستراتيجي للبترول في الولايات المتحدة.
وأخيرا، يتعين على السعودية التوضيح أن هذا حل قصير الأجل مخصص لوضع استثنائي، ويجب أن تقاوم إغراء ربط أي اتفاق بمبادرة إدارة معروض طويلة الأجل، وأي شيء سيشبه تمديد مجموعة “أوبك بلس” لن يعجب الولايات المتحدة أو غيرها، بل يجب ان يكون بمثابة حل محدد بوقت وغير قابل للتمديد لمعالجة الموقف المتطرف المشهود في قطاع البترول العالمي نتيجة إغلاق المصانع حول العالم لمواجهة فيروس “كورونا”.
وبمجرد أن تتحسن الأمور مجددا – كما يجب أن يحدث – وتعود الشركات للعمل كالمعتاد، يمكن حينها أن يعودوا إلى التنافس على الحصة السوقية.
بقلم: جوليان لي، استراتيجي البترول لدى وكالة أنباء “بلومبرج”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.