مما لاشك فيه أن مبادرات المركزي للتقليل من الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا جاءت قوية وبسرعة الفانتوم لتكون أكثر استباقية .. لم تكن الجديدة بل سبقتها إجراءات عديدة لدعم القطاع الخاص..فجملة الحزم التمويلية قبل كورونا بشهور بلغت نحو 200 مليار وجهت إلى قطاعات الصناعة والشركات المتعثرة والزراعة والتمويل العقاري والسياحة وبفائدة منخفضة متناقصة 10% عدلت مع كورونا إلى 8%.. وتهافتت كافة الشركات عليها.. وهو توجه حميد للدولة وحكومتها ومؤسساتها التى أثبتت وعيها المستنير والقدرة الممتازة على إدارة الأزمات فى الفترة الأخيرة.
ولم تقف الإجراءات عند هذا الحد بل تبعها ومنذ اليوم الأول للتعامل مع كورونا قبل تفشيها تخفيض البنك المركزى للفائدة بمقدار 3% إلى جانب إجراءات اخرى بتأجيل سداد المديونيات للأفراد والشركات لمدة 6 شهور، ليفاجئ الجميع بأن جعبته فيها الكثير من الإجراءات وهو ما يتضح من خلال إدارته المتابعة للموقف بدقة واستشراف منقطع النظير.. حتى وإن تخلله بعض الإجراءات التى احتاجت إلى تصحيح فورى فيما يتعلق بحدود السحب والإيداع عند فرضها.. فتوجه الدولة نحو الشمول المالى والتحول الرقمي يحتم ذلك وإن كان تأهيل السوق نفسيا وقت الأزمات مطلب حيوي مع مراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بها لتكون على سلم أولويات المدخلات الرئيسية فى تحديد التوقيت الأفضل مع بعض الاستثناءات المطلوبة متى فرضتها الممارسة العملية.. فمثلا يجب إلغاء الحد الأقصى للإيداع لكافة الأطراف منعا للتناقض بين أهداف تقييد السحب وأهداف تقييد الإيداع.. ووضع كوتة أسبوعية للسحب من ماكينات الصراف الآلى (ولتكن 10 آلاف جنيه) تسحب مرة واحدة أو على مرتين كل بحسب نوع حسابه الشخصي.. مع التشجيع المستمر لاستخدام الدفع الإلكتروني وهو ما يتطلب تحويل كافة المتاجر (ولاسيما الصغيرة والمتوسطة) والتحصيلات لتكون إلكترونياً وهذا يجب أن يفرض على التجار بكافة انواعهم وتخصصاتهم قبل المستهلك.. وربطه مع منظومة التراخيص المنظمة لعملهم.
وما استرعى انتباهي أيضا، أن هناك بعض الأنشطة غير الصناعية والزراعية أو القطاعات التى انطبقت عليها المبادرات ومرتبطة بعمل تلك القطاعات وهي من فئة الصغيرة والمتوسطة مثل مكاتب الاستشارات الهندسية والقانونية والمالية والمحاسبة وغيرها ممن توظف العديد من البشر، لا تستطيع الاستفادة من تلك المبادرات على الأقل لتغطية تكاليف التشغيل.. ولاسيما مرتبات الموظفين والإيجارات والمرافق التى يدفعونها التى تصل فيها تلك التكاليف إلى أقل من مليون جنيه (بدءًا مثلا من 30 ألف جنيه شهريًا إلى مليون جنيه) ومعظم السيولة لديها يتم تدويرها فى السوق.. وقد تأثر وضع السوق بالآثار السلبية لأزمة كورونا فى ظل انخفاض الطاقة الإنتاجية لكافة الأعمال مع عدا ما يتعلق بالغذاء والصحة التى لها الأولوية حاليا.
آن الآوان إلى تغيير ثقافة الاقراض القائمة فقط على الضمانات إلى التنوع فى الاقراض القائم على القدرة على السداد من واقع البيانات التاريخية للمنشأة وميزانياتها فى الأوقات الطبيعية لا أوقات الأزمات.. وتقسيم إدارات الائتمان إلى إدارات متخصصة بحسب الأنشطة الاقتصادية لتفهم طبيعتها فكل نشاط اقتصادي مختلف عن الآخر.. وأنا أعرف أن البنك المركزى مازال فى جعبته الكثير لدعم القطاع الخاص فى مختلف الانشطة.
أما من ناحية الدولة، رغم أنها أقرت حزمة بقدر 100 مليار جنيه للحد من آثار كورونا وغيرها من الإجراءات، فمازال هناك الكثير من الإجراءات يمكن اتخاذها كتأجيل سداد مستحقات الدولة أو جدولتها إلى أقساط فى هذا الوقت لأن الأزمة الحالية تتطلب مزيداً من الجهد والوقت والإجراءات للتعامل معها، مثل تقديم خصم على سداد المستحقات مرة واحدة .. تخفيض أسعار المرافق أو تحمل جزء منها أو تقسيطها.. للتحفيف من الأعباء على الأفراد والشركات.
ولنا فيما فعلته الدول الأخرى من آسيا وأوروبا وأمريكا دروس يمكن الاستفادة منها ولاسيما فى مجال دعم القطاع الخاص للتخفيف من حدة التعطل وخفض مستويات التشغيل والتوظيف والتى سوف تحدث ولكن التخفيف منها سيساعد الدولة على تلبية احتياجات المواطنين والأسواق.. وهو ما يتطلب أيضا من القطاع الخاص أن يكيف نفسه مع معطيات الأزمة ويحافظ على وقود عمله وهم العمال والموظفون حتى 30-6-2020 على الأقل لأن الوقت الحالى مستويات الإنفاق ستقل عما كانت عليه وقت دوران الأنشطة مع انخفاض الطاقة الإنتاجية فى كافة القطاعات، حتى وإن تطلب الأمر بعد ذلك تخفيض نسبة من المرتبات من باب الادخار لهم مستقبلا مع تحسن الأوضاع اقتصاديا.. أما القطاعات الأكثر تضررا فلا يمكن تحميلها الكثير.. والحوافز تقدم لمن لديه خطة واقعية للبقاء والاستمرار.. وهو التزام لتبين المستثمر الجاد أو صاحب العمل من غير الجاد.. وهو ما يتطلب المتابعة والتقييم المستمر لسير الأعمال.
المبادرات كثيرة والدولة وأجهزتها والبنوك قادرة مع مؤسسات المجتمع المدنى وتفاعل القطاع الخاص المقتدر من خلال برامج المسئولة الاجتماعية علي تجاوز الأزمة بفاعلية .. ولكن سرعة الايقاع والتكيف والتوقيت وضمان الاستباقية فى الإجراءات سيكون له أثر كبير فى تعظيم آثار تلك المبادرات على أرض الواقع لأننا كلنا فى مركب واحدة تتطلب منا التكاتف والتعاون والاستمرار من أجل البقاء حاليا والنمو مستقبلا.
أزمة وهتعدي لكنها تحتاج التكاتف من الجميع لتخطيها..
ومانبغى إلا إصلاحًا وتوعية ..