الدعم الدولي يحول المعنويات في السوق من السقوط الحر إلى وجود أرضية للتراجع
اتخذت الاقتصادات الرئيسية خطوة تاريخية بجانب منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها لخفض إمدادات الخام العالمية بنسبة 10% على الأقل، في محاولة لدعم أسعار البترول والتعامل مع وفرة المعروض الناتج عن انتشار جائحة فيروس كورونا.
ويهدف الاتفاق المبدئي، المتفق عليه في الساعات الأولى من صباح الجمعة، إلى إنهاء حرب أسعار البترول التي استمرت شهرا بين السعودية وروسيا، والتي ساهمت في انخفاض أسعار البترول إلى أدنى مستوياتها في 18 عاما وهددت أيضا بتدمير صناعة الطاقة.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية إن المؤتمر، الذي عقد بالفيديو بين وزراء الطاقة في مجموعة العشرين، كان يشكل جهدا طموحا لتحقيق الاستقرار في صناعة البترول، التي وصلت إلى حافة الهاوية بعد خسارة أكثر من 30% من الطلب العالمي.
ولكن هل يمكن أن يكون الاتفاق الذي توصلت إليه هذه المجموعة كافيا لدعم القطاع الحيوي في الاقتصاد العالمي؟
ما الذي تم الاتفاق عليه؟
جاء اتفاق تحالف “أوبك بلس”، عقب اجتماع مجموعة العشرين، لخفض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يوميا خلال شهري مايو ويونيو، وهي أعمق تخفيضات يتخذها التحالف على الإطلاق. كما ستشارك كل من السعودية، أكبر منتج في “أوبك”، وروسيا، سويا في نصف هذا الإجمالي.
ووافق منتجو “أوبك بلس” الآخرون على خفض الإنتاج بمقدار 5 ملايين برميل يوميا، كما دعا التحالف، في بيان حديث، الدول الأخرى، في إشارة إلى الولايات المتحدة وكندا وغيرها، إلى المساهمة في الجهود الهادفة إلى استقرار السوق.
حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرض المساعدة في التغلب على عقبة كان بإمكانها عرقلة الصفقة. فالمكسيك لم تكن راغبة في خفض الإنتاج بشكل كبير مثل الأعضاء الآخرين في المجموعة.. لذا أعلنت الولايات المتحدة اعتزامها مساعدة المكسيك في حصتها في التخفيضات، رغم أنه لم يحدد كيف.
وبافتراض أن ظروف السوق قد تصبح طبيعية في نهاية المطاف، فإن هذه التخفيضات قد تضعف تدريجيا خلال العامين المقبلين.
هل ستنجح التخفيضات في دعم سوق البترول؟
كان رد فعل السوق الأولي، يدعو إلى الارتياح تجاه انتهاء حرب الأسعار بين السعودية وروسيا. ولكن سرعان ما أعقب ذلك شعور بالقلق تجاه إمكانية ألا تكون أكبر صفقة تخفيضات في التاريخ كافية.
وقال رئيس مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، جيسون بوردوف، إن تعاون مجموعة العشرين مع “أوبك بلس” يعتبر عرضا تاريخيا، ولكنه لم يسفر إلا عن مزيد من تراجع أسعار البترول بعد المعارضة المكسيكية، وعن تعهد بعض الدول، وخصوصا السعودية، بتخفيضات لن تكون كافية لتعويض انهيار الطلب.
وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي نهاية حرب الأسعار، التي اندلعت مارس الماضي بين أكبر مصدري للبترول في العالم، إلى استقرار أكبر في السوق. ولكن علاقة السعودية وروسيا ربما تظل مشوهة، في ظل حجم الأزمة التي أعادت إحياء تحالفهما في الوقت الحالي.
هل ستكون هذه الصفقة حقا صفقة معروض عالمي؟
رغم أن ترامب ، ضغط على السعودية وروسيا لإنهاء صراعهما والاتفاق على تخفيضات كبيرة في الإنتاج، إلا أن مشاركة الولايات المتحدة والمنتجين الآخرين بمجموعة العشرين في الاجتماع الأخير، لم يكن الهدف منه اتخاذهم تخفيضات تطوعية.. بل بالأحرى الإعلان عن مقدار انخفاض إنتاجهم بالفعل بسبب انهيار الأسعار.
وقال وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت، إن إنتاج بلاده قد ينخفض بنحو 2 مليون برميل يوميا، مشيرا إلى أن الوقت قد حان لدراسة ما يمكن لكل دولة القيام به لتصحيح اختلال العرض والطلب بشكل جاد.
وبالنسبة لبعض الدول المستهلكة للبترول في مجموعة العشرين، فإن ذلك يعني شراء بترول رخيص لاحتياطيات البترول الاستراتيجية، وبالتالي المساعدة في تعزيز الطلب.
وفي الوقت نفسه، حذر رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، من أن التقلب الشديد الذي يشهده العالم في أسواق البترول يضر بالاقتصاد العالمي في وقت لا يستطيع العالم فيه تحمل الأمر.
ماذا يعني الأمر بالنسبة لقطاع البترول؟
ذكرت “فاينانشيال تايمز” أن صفقة “أوبك بلس”، وأي دعم دولي مقدم، سيساهمان في تحول المعنويات لدى التجار من الاعتقاد بأن السوق في حالة سقوط حر إلى سوق ذات أرضية جديدة.
وقالت “أوبك بلس” إنها ستواصل خفض الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يوميا بعد عامين من الآن، وهي سمة أخرى في الصفقة ستساهم في تغيير المعتقدات، ولكن إنقاذ الأسعار لا يسير على هذا النهج.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الصفقة لا تساهم في إصلاح انهيار الطلب العالمي. كما أنه من المرجح أن تظل الأسعار دون مستوى 40 إلى 50 دولاراً للبرميل التي يحتاجها العديد من المنتجين من خارج منظمة “أوبك” لتحقيق التعادل.
وتواجه الاقتصادات الضعيفة المنتجة للبترول، من العراق إلى نيجيريا، آفاقا قاتمة في ظل انكماش ميزانياتها فقط عندما تكون هناك حاجة إلى الأموال لمكافحة تفشي فيروس كورونا.
بالإضافة إلى ذلك، سيواصل الإنتاج الانخفاض، خصوصا في الحقول الأمريكية والكندية عالية التكلفة.
وفي هذا الصدد، قال سكوت شيفيلد، رئيس منتج البترول الصخري الأمريكي “بايونير ناتشورال ريسورسز”، إن الإنتاج الأمريكي قد يستمر في الانخفاض بمقدار 3 ملايين برميل يوميا، في حين قالت شركة “ريستاد إنرجي” الاستشارية إن الإنتاج الكندي سينخفض بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا في الأشهر المقبلة.
وقال مستشار شركات البترول والدول المنتجة،أنس الحاجي، إن انخفاض الإنتاج سيساهم في إزالة الضغط السياسي على روسيا والسعودية، ولكنه لن يكون كافيا لمواجهة تأثير كورونا على الطلب أو منع عمليات الإغلاق في صناعة البترول الصخري.
ماذا كان رد فعل الولايات المتحدة؟
قالت “فاينانشيال تايمز” إن صفقة أوبك وروسيا لم تطلب من المنتجين في أمريكا الشمالية إجراء تخفيضات أكثر مما سيضطروا إليه في ظل ضغوط الأسعار بأي حال من الأحوال، وهو ما يشكل انتصارا دبلوماسيا بالنسبة للرئيس الأمريكي، الذي حث السعودية وروسيا على إنهاء حرب الأسعار بينهما دون شروط.
وأشاد رئيس شركة “كونتيننتال ريسورسز”، هارولد هام، أحد أكبر منتجي البترول الصخري الأمريكي، بقرار أوبك، قائلا إن هذه الصفقة تعتبر خطوة أولى جيدة وضرورية لإعادة بعض العقلانية إلى أسواق البترول.