تقبع شركة “كونتيننتال”، أكبر صانع فى العالم لأجزاء السيارات، فى قلب العديد من سلاسل التوريد العالمية، ولها فروع متنوعة فى جميع أنحاء العالم، ولديها رأسمال قوى نسبياً، كما أنها فى وضع جيد يسمح لها بالنجاة من جائحة فيروس كورونا.
ومع ذلك حذر مدير الشركة التنفيذى، إلمار ديجينهارت، الأسبوع الماضى من أن هوامش أرباح قسم السيارات ستنخفض إلى صفر، وأن الموردين الأصغر يواجهون خطر الإفلاس.
ويشير التاريخ إلى أن ديجينهارت، يعلم ما يتكلم عنه، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة “كيس ويسترن ريسيرف” حول ما واجهه قطاع السيارات الأمريكى خلال الأزمة المالية العالمية، أن إجمالى عدد الموردين انخفاض من أقل قليلاً من 15 ألف مورد فى 2007 إلى حوالى 12 ألفاً فى 2011.
وقالت الشركات الفردية، إن متوسط منافسيها المباشرين تراجع من 8 إلى 6 منافسين خلال الفترة نفسها.
وحتى الآن، لم يفعل كبار اللاعبين فى القطاع الكثير لمنع تكرار ما حدث، ورغم أنه لا أحد يريد أن يقول ذلك علناً، إلا أن مسئول بالشركة، قال لى إنه من المبكر أن تتدخل شركته لمساعدة الموردين، لأن معظم خطوط الإنتاج مغلقة لمدة أسبوعين.
وتحدث معى مدير تنفيذى آخر، فقال إن شركته تعتمد على المساعدات الحكومية، لكى تضمن استمرار عمل مورديها: “لأننا لا نستطيع تركهم يواصلون الإنتاج لصالحنا إذا لم يكن هناك طلب من عملائنا”.
ورغم أن قادة الشركات كانوا يؤكدون على اهتمامهم ورعايتهم للمساهمين بما فى ذلك الموردين، فإن القصة تتكرر فى أغلب الصناعات.
فالبائع بالتجزئة البريطانى، “نيو لوك”، علّق المدفوعات على المخزون القائم وألغى الطلبيات، وحاولت مجموعة الموضة السويدية “إتش آند إم” القيام بأكثر من ذلك، ولم تكتف فقط بتخفيض الطلبيات، وإنما لا تستلم الطلبيات الجاهزة دون أى تغيير فى شروط الدفع.
ويحذر خبراء سلاسل التوريد من أن الشركات قد يطاردها مدى انعزالها عندما يريدون العودة لاستئناف الانتاج، وقال روجر دينيس، مؤلف تقرير في عام 2015 عن تأثير الأزمات على سلاسل التوريد: “لا يتعلق الأمر بالقدرة على القول.. دعونا نبدأ الإنتاج مجدداً، ولكن بإيجاد من يستطيع شحن الإنتاج”.
وأشار إلى واقعة الفيضانات فى تايلاند فى 2011 عندما وجدت المصانع، التى بُنيت لتصمد فى وجه الكوارث الطبيعية، مع مصادر الطاقة الخاصة بها والحماية من العواصف، نفسها بمثابة “جزر من الانعزال، لأنه لم يتمكن أحد من الدخول أو الخروج”.
وينبغى أن تتحدث الشركات مع مورديها، لكى تحدد مواطن الألم المحتملة وتعالجها قبيل إعادة بدء الإنتاج.
وقالت بينديا فاكيل، المدير التنفيذى لمجموعة بيانات وإدارة سلاسل التوريد “ريزيلنيك”، إن الشركات بحاجة إلى إعادة التفكير فى الطريقة التى تنظر بها لمورديها، وبدلاً من إعطاء الأولوية للبائعين، يتعين عليها التركيز على أولئك الذين يوردون قطع الغيار والمواد الخام الضرورية لتوليد الإيرادات.
وانظروا إلى معدات الحماية الشخصية، على سبيل المثال، فهى رخيصة ومتوافرة بكثرة لدرجة أن مديرى المستشفيات لم يكونوا قلقين من قبل بشأن كيف وأين يحصل مورديهم عليها، والآن يعلمون أنهم لن يستطيعوا العمل بشكل آمن دونها.
ولذا، تنصح فاكيل، الشركات بالقيام بكل ما تستطيع للحفاظ على استمرارية الموردين المهمين، وتساعدهم على إعادة تصميم أعمالهم وتدعمهم مالياً.
وأوضحت: “يجب أن تدفع لهم الشركات مبكراً وتحسن شروط الدفع، وتقرضهم الأموال، وتشترى لهم المواد الخام إذا لم يكونوا يملكون الأموال الكافية”.
وبدأت سلاسل البقالة الكبيرة في بريطانيا تقوم بذلك بالفعل، وعززت سلسلة متاجر “موريسونز” المدفوعات للموردين، ودفعت ما يقرب من مليون جنيه استرلينى مقدماً، كما أنها تدفع لهم مباشرة بدلاً من الانتظار 60 يوماً.
ومن جانبها، تعمل “تسكو” مع موردى المنتجات الرئيسية (البيض واللبن والسجق ومناديل المرحاض) لمقابلة الطلب المتزايد من المتسوقين الذين يأكلون فى المنازل، وتتضمن التغييرات زيادة الإنتاج فى المزارع ومعامل الألبان عبر بريطانيا بأكملها.
وشجعت “تسكو” موردى الألبان، ألا ينتجوا عُلب نصف اللتر، لصالح العلب اللتر أو اللترين الأكثر شيوعاً.
وخفضت العلامة التجارية، أنواع مناديل المرحاض من 33 نوعاً إلى 10 أنواع، وتعمل فى الوقت نفسه مع موردها الأساسى للبيض وهى شركة “نوبل”، وتساعدها على بيع أنواع البيض الأقل شيوعاً التى تذهب عادة لسلاسل “ماكدونالدز”.
وقال مدير المنتجات فى “تيسكو”، أندرو ياكسلى: “نحن ممتنون بشدة لكل شيء يقوم به موردونا لمساعدة عملائنا فى الحصول على الطعام والسلع الضرورية التى يحتاجونها”.
وبالتأكيد يكون الأمر مربحا لمساعدة الموردين على زيادة الإنتاج أكثر من دعمهم خلال أزمة، ولكن هؤلاء الموردين الصغار سيكونوا أهم مكون إذا كان لدينا أى أمل في إعادة تشغيل سريعة للاقتصاد.
ويتعين على الشركات اقتناص هذه الفرصة لإعادة كتابة قواعد التفاعل، فهذا ليس وقت الاستبخال.
بقلم: بروك ماسترز، كاتبة مقالات رأى لدى صحيفة “فاينانشيال تايمز”
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”